فِي حَدِيث الْبَاب. وَذكروا أَيْضا أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، تتبع نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يكلمهن لكل وَاحِدَة بِكَلَام، فَقَالَت أم سَلمَة: يَا ابْن الْخطاب! أَو مَا بَقِي لَك إلَاّ أَن تدخل بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين نِسَائِهِ؟ من يسْأَل الْمَرْأَة إلَاّ زَوجهَا؟ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة بالتخيير، فَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعائشة، وَكَانَت أحبهنَّ إِلَيْهِ، فَخَيرهَا وَقَرَأَ عَلَيْهَا الْقُرْآن، فَاخْتَارَتْ الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة، فرؤى الْفَرح فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتتابعتها بَقِيَّة النسْوَة واخترن اخْتِيَارهَا، وَقَالَ قَتَادَة: فَلَمَّا اخْترْنَ الله وَرَسُوله شكر لَهُنَّ على ذَلِك وقصره عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: {لَا تحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} (الْأَحْزَاب: ٢٥) . قَوْله: {فتعالين} (الْأَحْزَاب: ٨٢) . أصل: تعال، أَن يَقُول من فِي الْمَكَان الْمُرْتَفع لمن فِي الْمَكَان المستوطىء ثمَّ كثر حَتَّى اسْتَقر اسْتِعْمَاله فِي الْأَمْكِنَة كلهَا، وَمعنى تعالين: أقبلن، وَلم يرد نهوضهن إِلَيْهِ بِأَنْفُسِهِنَّ. قَوْله: {وأسرحكن} (الْأَحْزَاب: ٨٢) . يَعْنِي: الطَّلَاق {سراحاً جميلاً} (الْأَحْزَاب: ٨٢) . من غير إِضْرَار، طَلَاقا بِالسنةِ، وقرىء بِالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف. قَوْله: {وَالدَّار الْآخِرَة} (الْأَحْزَاب: ٨٢) . يَعْنِي: الْجنَّة. قَوْله: {مِنْكُن} (الْأَحْزَاب: ٨٢) . يَعْنِي: اللَّاتِي آثرن الْآخِرَة. {أجرا عَظِيما} (الْأَحْزَاب: ٨٢) . وَهُوَ الْجنَّة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الْمُحدث قد يَأْتِي بِالْحَدِيثِ على وَجهه وَلَا يختصر، لِأَنَّهُ قد كَانَ يَكْتَفِي، حِين سَأَلَهُ ابْن عَبَّاس عَن الْمَرْأَتَيْنِ بِمَا كَانَ يُخبرهُ مِنْهُ أَنَّهُمَا عَائِشَة وَحَفْصَة، وَفِيه: موعظة الرجل ابْنَته وَإِصْلَاح خلقهَا لزَوجهَا. وَفِيه: الْحزن والبكاء لأمور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يكرههُ والاهتمام بِمَا يهمه. وَفِيه: الاسْتِئْذَان والحجابة للنَّاس كلهم، كَانَ مَعَ المستأذن عِيَال أَو لم يكن. وَفِيه: الانصارف بِغَيْر صرف من المستأذن عَلَيْهِ، وَمن هَذَا الحَدِيث قَالَ بعض الْعلمَاء: إِن السُّكُوت يحكم بِهِ، كَمَا حكم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بسكوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صرفه إِيَّاه. وَفِيه: التكرير بالاستئذان. وَفِيه: أَن للسُّلْطَان أَن يَأْذَن أَو يسكت أَو يصرف. وَفِيه: تقلله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الدُّنْيَا وَصَبره على مضض ذَلِك، وَكَانَت لَهُ عَنهُ مندوحة. وَفِيه: أَنه يسْأَل السُّلْطَان عَن فعله إِذا كَانَ ذَلِك مِمَّا يهم أهل طَاعَته. وَفِيه: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا ردا لما أخبر بِهِ الْأنْصَارِيّ من طَلَاق نِسَائِهِ، وَلم يخبر عمر بِمَا أخبر بِهِ الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَا شكاه لعلمه أَنه لم يقْصد الْإِخْبَار بِخِلَاف الْقِصَّة، وَإِنَّمَا هُوَ وهم جرى عَلَيْهِ. وَفِيه: الْجُلُوس بَين يَدي السُّلْطَان وَإِن لم يَأْمر بِهِ إذات استؤنس مِنْهُ إِلَى انبساط خلق. وَفِيه: أَن أحدا لَا يجوز أَن يسْخط حَاله وَلَا مَا قسم الله لَهُ وَلَا سَابق قَضَائِهِ، لِأَنَّهُ يخَاف عَلَيْهِ ضعف يقينه. وَفِيه: أَن التقلل من الدُّنْيَا لرفع طيباته إِلَى دَار الْبَقَاء خير حَال مِمَّن يعجلها فِي الدُّنْيَا الفانية والعجل لَهَا أقرب إِلَى السَّفه. وَفِيه: الاسْتِغْفَار من السخط وَقلة الرضى. وَفِيه: سُؤال من الشَّارِع الاسْتِغْفَار، وَلذَلِك يجب أَن يسْأَل أهل الْفضل وَالْخَيْر الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار. وَفِيه: أَن الْمَرْأَة تعاقب على إفشاء سر زَوجهَا، وعَلى التحيل عَلَيْهِ بالأذى بالتوبيخ لَهَا بالْقَوْل، كَمَا وبخ الله تَعَالَى أَزوَاج نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على تظاهرهما وإفشاء سره، وعاتبهن بالإيلاء والاعتزال والهجران كَمَا قَالَ تَعَالَى: {واهجروهن فِي الْمضَاجِع} (النِّسَاء: ٤٣) . وَفِيه: أَن الشَّهْر يكون تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا. وَفِيه: أَن الْمَرْأَة الرشيدة لَا بَأْس أَن تشَاور أَبَوَيْهَا أَو ذَوي الرَّأْي من أَهلهَا فِي أَمر نَفسهَا الَّتِي هِيَ أَحَق بهَا من وَليهَا، وَهِي فِي المَال أولى بالمشاورة، لَا على أَن الْمُشَاورَة لَازِمَة لَهَا إِذا كَانَت رَشِيدَة كعائشة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَفِيه: دَلِيل لجَوَاز ذكر الْعَمَل الصَّالح، وَهِي فِي قَول عبد الله بن عَبَّاس: فحججت مَعَه، أَي: مَعَ عمر. وَفِيه: الِاسْتِعَانَة فِي الْوضُوء إِذْ هُوَ الظَّاهِر من قَوْله: فَتَوَضَّأ، وَقَالَ ابْن التِّين: وَيحْتَمل الِاسْتِنْجَاء، وَذَلِكَ أَن يصب المَاء فِي يَده الْيُمْنَى ثمَّ يُرْسِلهُ حَيْثُ شَاءَ، وَفِيه: رد الْخطاب إِلَى الْجمع بعد الْإِفْرَاد، وَذَلِكَ فِي قَوْله: أفتأمن؟ أَي: إحداكن، ثمَّ قَالَ: فتهلكن، على رِوَايَة: تهلكن، بِضَم الْكَاف وبالنون الْمُشَدّدَة، قَالَه الدَّاودِيّ. وَفِيه: أَن ضحكه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التبسم إِكْرَاما لمن يضْحك إِلَيْهِ. وَقَالَ جرير: مَا رَآنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أسلمت إلَاّ تَبَسم. وَفِيه: التَّخْيِير، وَقد اسْتعْمل السّلف الِاخْتِيَار بعده، فَعِنْدَ الشَّافِعِي أَن الْمَرْأَة إِذا اخْتَارَتْ نَفسهَا فَوَاحِدَة، وَهُوَ قَول عَائِشَة وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَذكر عَليّ: أَنَّهَا إِذا اخْتَارَتْ نَفسهَا فَثَلَاث. وَقَالَ طَاوُوس: نفس الِاخْتِيَار لَا يكون طَلَاقا حَتَّى يوقعه، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِن وَاحِدَة من نِسَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتَارَتْ نَفسهَا، فَبَقيت إِلَى زمن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَت تَأتي بالحطب بِالْمَدِينَةِ فتبيعه، وَأَنَّهَا أَرَادَت النِّكَاح فَمنعهَا عمر، فَقَالَت: إِن كنت من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ اضْرِب عَليّ الْحجاب، فَقَالَ لَهَا: وَلَا كَرَامَة. وَقيل: إِنَّهَا رعت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute