مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:(فَجعل يطعنها بِعُود) ، أَي: يطعن النُصب، وَهِي الَّتِي نصبت لِلْعِبَادَةِ من دون الله، وَهُوَ دَاخل فِي التَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَإِن كسر صنماً أَو صليباً.
وَرِجَاله: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم: هُوَ عبد الله بن يسَار ضد الْيَمين وَمُجاهد بن جبر، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن سَخْبَرَة الْأَزْدِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن صَدَقَة بن الْفضل وَفِي التَّفْسِير عَن الْحميدِي. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَمُحَمّد بن يحيى، الثَّلَاثَة عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ، وَعَن حسن الْحلْوانِي وَعبد بن حميد، كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن ابْن أبي نجيح. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن أبي عمر بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعبيد الله بن سعيد فرقهما، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، يَعْنِي: فِي غَزْوَة الْفَتْح، وَكَانَت فِي رَمَضَان سنة ثَمَان. قَوْله:(وحول الْكَعْبَة) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:(نصبا) . وَقَالَ ابْن التِّين: ضبط فِي رِوَايَة أبي الْحسن، بِضَم النُّون وَالصَّاد، فَيكون على هَذَا جمع: نِصَاب، وَهُوَ صنم أَو حجر ينصب، وَلَيْسَ ببيّنٍ كَونه جمعا، لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بعد سِتِّينَ إلَاّ مُفردا، تَقول عِنْدِي سِتُّونَ ثوبا وَنَحْو ذَلِك، وَلَا تَقول: أثواباً، قَالَ: وَقد قيل: نصب وَنصب بِمَعْنى وَاحِد، فعلى هَذَا يكون جمعا لَا مُفردا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: النصب، بِضَم الصَّاد وسكونها: حجر كَانُوا ينصبونه فِي الْجَاهِلِيَّة ويتخذونه صنماً ويعبدونه، وَالْجمع أنصاب، وَقيل: هُوَ حجر كَانُوا ينصبونه ويذبحون عَلَيْهِ فيحمر بِالدَّمِ، ويروى:(صنماً) ، مَوضِع:(نصبا) . قَوْله:(فَجعل يطعنها) ، جعل من أَفعَال المقاربة وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع، وَهُوَ من النَّوْع الَّذِي وضع على الشُّرُوع فِيهِ، أَي: فِي الْخَبَر، وَهُوَ كثير. (ويطعنها) بِضَم الْعين على الْمَشْهُور، وَيجوز فتحهَا، قَالَ الْجَوْهَرِي: طعنه بِالرُّمْحِ وَطعن فِي السن يطعن بِالضَّمِّ طَعنا، وَطعن فِيهِ بالْقَوْل يطعن أَيْضا، وَطعن فِي الْمَفَازَة يطعن ويطعن أَيْضا: ذهب. قَوْله:(فِي يَده) فِي مَحل الجرِّ لِأَنَّهُ صفة لعود. قَوْله:(وَجعل) مثل جعل الأول. قَوْله:(وزهق) ، أَي هلك وَمَات، يُقَال: زهقت نَفسه تزهق زهوقاً بِالضَّمِّ خرجت، قَالَ الْجَوْهَرِي:{وزهق الْبَاطِل}(الْإِسْرَاء: ١٨) . أَي: اضمحل، والزهوق بِالْفَتْح ...
. وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما دخل مَكَّة وجد بهَا ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ صنماً، فَأَشَارَ إِلَى كل صنم بِعصاً. وَقَالَ:{جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا}(الْإِسْرَاء: ١٨) . وَكَانَ لَا يُشِير إِلَى صنم إلَاّ سقط من غير أَن يمسهُ بعصاه، وروى أَحْمد من حَدِيث جَابر، قَالَ: كَانَ فِي الْكَعْبَة صور فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يمحوها، فَبل عمر ثوبا ومحاها بِهِ، فَدَخلَهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا فِيهَا شَيْء. انْتهى. وطعْنُه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَصْنَام عَلامَة أَنَّهَا لَا تدفع عَن نَفسهَا، فَكيف تكون آلِهَة؟
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الطَّبَرِيّ: فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود جَوَاز كسر آلَات الْبَاطِل وَمَا لَا يصلح إلَاّ فِي الْمعْصِيَة حَتَّى تَزُول هيئتها وَينْتَفع برضاضها، وَقَالَ ابْن بطال: آلَات اللَّهْو كالطنابير والعيدان والصلبان والأنصاب، تكسر حَتَّى تغير عَن هيئتها إِلَى خلَافهَا، وَيُقَال: وكل مَا لَا معنى لَهَا إلَاّ التلهي بهَا عَن ذكر الله تَعَالَى، والشغل بهَا عَمَّا يُحِبهُ الله إِلَى مَا يسخطه، يجب أَن يُغير عَن هَيئته الْمَكْرُوهَة إِلَى خلَافهَا من الهيئات الَّتِي يَزُول مَعهَا الْمَعْنى الْمَكْرُوه، وَذَلِكَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كسر الْأَصْنَام والجوهر الَّذِي فِيهَا، وَلَا شكّ أَنه يصلح إِذا غير عَن الْهَيْئَة الْمَكْرُوهَة وَينْتَفع بِهِ بعد الْكسر، وَقد رُوِيَ عَن جمَاعَة من السّلف كسر آلَات الملاهي، وروى سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ أَصْحَاب عبد الله يستقبلون الْجَوَارِي مَعَهُنَّ الدفوف فيخرقونها، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: فِي معنى الْأَصْنَام الْقُبُور المتخذة من الْمدر والخشب وشبههما، وكل مَا يَتَّخِذهُ