للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَن ثَابت عَن أنس أَنهم كَانُوا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت عَائِشَة إِذْ أَتَى بصحفة خبز وَلحم من بَيت أم سَلمَة، فَوَضَعْنَا أَيْدِينَا وَعَائِشَة تصنع طَعَاما عجلة، فَلَمَّا فَرغْنَا جَاءَت بِهِ وَرفعت صَحْفَة أم سَلمَة فكسرتها. وروى ابْن أبي شيبَة وَابْن مَاجَه، من طَرِيق رجل من بني سواءة غير مُسَمّى عَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَصْحَابه فصنعت لَهُ طَعَاما، وصنعت لَهُ حَفْصَة طَعَاما، فسبقتني، فَقلت لِلْجَارِيَةِ: إنطلقي فأكفئي قصعتها. فألقتها. فَانْكَسَرت وانتثر الطَّعَام، فَجَمعه على النطع، فَأَكَلُوا ثمَّ بعث بقصعتي إِلَى حَفْصَة، فَقَالَ: خُذُوا ظرفا مَكَان ظرفكم، وَالظَّاهِر أَنَّهَا قصَّة أُخْرَى، لِأَن فِي هَذِه الْقِصَّة: أَن الْجَارِيَة هِيَ الَّتِي كسرت، وَفِي الَّذِي تقدم أَن عَائِشَة نَفسهَا هِيَ الَّتِي كسرتها، قَوْله: (فَأرْسلت إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ) ، قد تقدم من الْأَحَادِيث أَن الَّتِي أرْسلت دَائِرَة بَين عَائِشَة وَزَيْنَب بنت جحش وَصفِيَّة وَأم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُن، فَإِن كَانَت الْقِصَّة مُتعَدِّدَة فَلَا كَلَام فِيهَا، وإلَاّ فَالْعَمَل بالترجيح، كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (مَعَ خَادِم) ، يُطلق الْخَادِم على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَهنا المُرَاد: الْأُنْثَى، بِدَلِيل تَأْنِيث الضَّمِير فِي قَوْله: (فَضربت بِيَدِهَا فَكسرت الْقَصعَة) . وَذكر هُنَا الْقَصعَة، وَفِي غَيره ذكر الْجَفْنَة والصحفة، كَمَا مر، قَوْله: (فِيهَا طَعَام) ، قد ذكر فِي حَدِيث زَيْنَب: أَنه حيس، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة. وَهُوَ الطَّعَام الْمُتَّخذ من التَّمْر والأقط وَالسمن، وَقد يَجْعَل عوض الأقط: الدَّقِيق أَو الفتيت، وَفِي حَدِيث الطَّبَرَانِيّ: خبز وَلحم. قَوْله: (فَضمهَا) ، أَي: ضم الْقَصعَة الَّتِي انْكَسَرت رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَقَالَ: كلوا) ، أَي: قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه الَّذين كَانُوا مَعَه. قَوْله: (وَحبس الرَّسُول) ، أَي: أوقف الْخَادِم الَّذِي هُوَ رَسُول إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (والقصعة) ، أَي: حبس الْقَصعَة الْمَكْسُورَة أَيْضا عِنْده. قَوْله: (حَتَّى فرغوا) أَي: حَتَّى فرغت الصَّحَابَة الَّذين كَانُوا مَعَه من الْأكل. قَوْله: (فَدفع) ، أَي: أَمر بإحضار قَصْعَة صَحِيحَة من عِنْد الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا فَدَفعهَا إِلَى الرَّسُول وَحبس الْقَصعَة الْمَكْسُورَة عِنْده، وَرَأَيْت فِي بعض الْمَوَاضِع فِي أثْنَاء مطالعتي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ الْقَصعَة الْمَكْسُورَة. وَكَانَت قطعا، فاستوت صَحِيحَة فِي كَفه الْمُبَارك كَمَا كَانَت أَولا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن التِّين: احْتج بِهَذَا الحَدِيث من قَالَ: يقْضِي فِي الْعرُوض بالأمثال، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَرِوَايَة عَن مَالك، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: كل مَا صنع الآدميون غرم مثله كَالثَّوْبِ وَبِنَاء الْحَائِط وَنَحْو ذَلِك، وَلَك مَا كَانَ من صنع الله عز وَجل مثل العَبْد وَالدَّابَّة فَفِيهِ الْقيمَة، وَالْمَشْهُور من مذْهبه أَن كل مَا كَانَ لَيْسَ بمكيل وَلَا مَوْزُون فَفِيهِ الْقيمَة، وَمَا كَانَ مَكِيلًا أَو مَوْزُونا، فَيقْضى بِمثلِهِ يَوْم استهلاكه. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: فَإِن قيل: الصحفة من ذَوَات الْقيم، فَكيف غرمها؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الظَّاهِر مَا يحويه بَيته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه ملكه فَنقل من ملكه إِلَى ملكه لَا على وَجه الغرامة بِالْقيمَةِ. الثَّانِي: أَن أَخذ الْقَصعَة من بَيت الكاسرة عُقُوبَة، والعقوبة بالأموال مَشْرُوعَة، وَلما اسْتدلَّ ابْن حزم بِحَدِيث الْقَصعَة، قَالَ: هَذَا قَضَاء بِالْمثلِ لَا بِالدَّرَاهِمِ. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمَا قضيا فِيمَن اسْتهْلك فصلاناً بفصلان مثلهَا، وَشبهه دَاوُد بجزاء الصَّيْد فِي العَبْد العَبْد، وَفِي العصفور العصفور. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَن اسْتهْلك عرُوضا أَو حَيَوَانا، فَذهب الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة: إِلَى أَن عَلَيْهِ مثل مَا اسْتهْلك، قَالُوا: وَلَا يقْضِي بِالْقيمَةِ إلَاّ عِنْد عدم الْمثل، وَذهب مَالك: إِلَى أَن من اسْتهْلك شَيْئا من الْعرُوض أَو الْحَيَوَان فَعَلَيهِ قِيمَته يَوْم استهلاكه، وَالْقيمَة أعدل فِي ذَلِك، ثمَّ قَالَ: وَاتفقَ مَالك والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، فِيمَن اسْتهْلك ذَهَبا أَو وَرقا أَو طَعَاما مَكِيلًا أَو مَوْزُونا أَن عَلَيْهِ مثل مَا اسْتهْلك فِي صفته ووزنه وَكيله. قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة أَن كل مَا كَانَ مثلِيا إِذا اسْتَهْلكهُ شخص يجب عَلَيْهِ مثله، وَإِن كَانَ من ذَوَات الْقيم يجب عَلَيْهِ قِيمَته، والمثلي كالمكيل مثل الْحِنْطَة وَالشعِير، وَالْمَوْزُون كالدراهم وَالدَّنَانِير، وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يكون الْمَوْزُون مِمَّا يضر بالتبعيض، يَعْنِي: غير المصوغ مِنْهُ، فَهُوَ يلْحق بذوات الْقيم، وَغير الْمثْلِيّ كالعدديات المتفاوتة كالبطيخ وَالرُّمَّان والسفرجل وَالثيَاب وَالدَّوَاب، والعددي المتقارب كالجوز وَالْبيض والفلوس كالمكيل. وَالْجَوَاب عَن حَدِيث الْبَاب مَا قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ الْمَذْكُور آنِفا، وَقد ذكرنَا فِي أول الْبَاب مَا يَكْفِي عَن الْجَواب عَن الحَدِيث. وَفِيه: بسط عذر الْمَرْأَة فِي حَالَة الْغيرَة، لِأَنَّهُ لم ينْقل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاتب عَائِشَة على ذَلِك، فَإِنَّمَا قَالَ: (غارت أمكُم) ، وَيُقَال: إِنَّمَا لم يؤدبها، وَلَو بالْكلَام، لِأَنَّهُ فهم أَن المهدية كَانَت

<<  <  ج: ص:  >  >>