وَكَانَ سنه يَوْم مَاتَ ثمانياً وَخمسين سنة. قَوْله: (وهم) ، أَي: الْبَعْث الَّذِي هُوَ الْجَيْش ثَلَاثمِائَة أنفس. قَوْله: (فني الزَّاد) ، قَالَ الْكرْمَانِي: إِذا فني فَكيف أَمر بِجمع الأزواد؟ فَأجَاب: بِأَنَّهُ إِمَّا أَن يُرِيد بِهِ فنَاء زَاده خَاصَّة، أَو يُرِيد بالفناء الْقلَّة. قلت: يجوز أَن يُقَال معنى: فنى: أشرف على الفناء. قَوْله: (فَكَانَ مزودي تمر) ، المزود، بِكَسْر الْمِيم: مَا يَجْعَل فِيهِ الزَّاد، كالجراب. وَفِي رِوَايَة مُسلم: بعثنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غَيره، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يُعْطِينَا تَمْرَة تَمْرَة. قَوْله: (لقد وجدنَا فقدها حِين فنيت) ، أَي: وجدنَا فقدها مؤثراً شاقاً علينا، وَلَقَد حزنَّا لفقدها. قَوْله: (ثمَّ انتهينا إِلَى الْبَحْر فَإِذا حوت) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة، والحوت يَقع على الْوَاحِد وَالْجمع، وَقَالَ صَاحب (الْمُنْتَهى) : وَالْجمع حيتان، وَهِي الْعِظَام مِنْهَا. وَقَالَ ابْن سيدة: الْحُوت السّمك اسْم جنس، وَقيل: هُوَ مَا عظم مِنْهُ، وَالْجمع أحوات. وَفِي كتاب الْفراء: جمعه أحوته وأحوات فِي الْقَلِيل، فَإِذا كثرت فَهِيَ الْحيتَان. قَوْله: (مثل الظرب) ، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء: مُفْرد الظراب، وَهِي الروابي الصغار. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الظراب الْجبَال الصغار وَاحِدهَا ظرب، بِوَزْن كتف، وَقد يجمع فِي الْقلَّة على: أظراب. قَوْله: (ثَمَانِي عشرَة لَيْلَة) ، كَذَا هُوَ فِي نُسْخَة الْأصيلِيّ، وَرُوِيَ: ثَمَانِيَة عشر لَيْلَة، وَقَالَ ابْن التِّين: الصَّوَاب هُوَ الأول. وَرُوِيَ: فأكلنا مِنْهُ شهرا. وَرُوِيَ: نصف شهر، وَقَالَ عِيَاض: يَعْنِي: أكلُوا مِنْهُ نصف شهر طرياً، وَبَقِيَّة ذَلِك قديداً. وَقَالَ النَّوَوِيّ: من قَالَ شهرا هُوَ الأَصْل وَمَعَهُ زِيَادَة علم، وَمن روى دونه لم ينف الزِّيَادَة، وَلَو نفاها قدم الْمُثبت، وَالْمَشْهُور عِنْد الْأُصُولِيِّينَ أَن مَفْهُوم الْعدَد لَا حكم لَهُ فَلَا يلْزم مِنْهُ نفي الزِّيَادَة. وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شهرا، وَلَقَد رَأَيْتنَا تغترق من وَقب عينه قلال الدّهن، ونقتطع مِنْهُ الفدر، كالثور، وَلَقَد أَخذ منا أَبُو عُبَيْدَة ثَلَاثَة عشر رجلا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقب عينه وتزودنا من لَحْمه وشائق، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكرنَا ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: هُوَ رزق أخرجه الله لكم، فَهَل مَعكُمْ من لَحْمه شيى فتطعمونا؟ قَالَ: فَأَرْسَلنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فَأَكله) . قَوْله: (بضلعين) ، ضبط بِكَسْر الضَّاد وَفتح اللَّام، وَقَالَ فِي (أدب الْكَاتِب) : ضلع وضلع. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: هما لُغَتَانِ، والضلع مُؤَنّثَة، والوقب، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْقَاف وبالباء الْمُوَحدَة: هُوَ النقرة الَّتِي يكون فِيهَا الْعين. قَوْله: (الفدر) ، بِكَسْر الْفَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء: جمع فدرة، وَهِي الْقطعَة من اللَّحْم، (والوشائق) ، بالشين الْمُعْجَمَة: جمع وشيقة، وَهِي اللَّحْم القديد. وَقيل: الوشيقة أَن يُؤْخَذ اللَّحْم فيغلى قَلِيلا وَلَا ينضج، فَيحمل فِي الْأَسْفَار. وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: (نرصد عيرًا لقريش، فَأَقَمْنَا بالسَّاحل نصف شهر فأصابنا جوع شَدِيد حَتَّى أكلنَا الْخبط، فَسُمي ذَلِك الْجَيْش بِجَيْش الْخبط، فَألْقى لنا الْبَحْر دَابَّة يُقَال لَهَا: العنبر، فأكلنا مِنْهَا نصف شهر وادَّهنَّا من ودكه حَتَّى ثَابت إِلَيْنَا أجسامنا) . وَفِي مُسلم: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يَعْنِي بالعنبر ميتَة، ثمَّ قَالَ: لَا بل نَحن رسل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي سَبِيل الله عز وَجل، وَقد اضطررتم فَكُلُوا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الْقُرْطُبِيّ: جمعُ أبي عُبيدة الأزواد وقسمتها بِالسَّوِيَّةِ إِمَّا إِن يكون حكما حكم بِهِ لِما شَاهد من الضَّرُورَة وخوفه من تلف من لم يبْق مَعَه زَاد، فَظهر لَهُ أَنه وَجب على من مَعَه أَن يواسي من لَيْسَ لَهُ زَاد، أَو يكون عَن رضَا مِنْهُم، وَقد فعل مثل ذَلِك غير مرّة سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلذَلِك قَالَ بعض الْعلمَاء هُوَ سنَّة. وَقَالَ ابْن بطال: إستدل بعض الْعلمَاء بِهَذَا الحَدِيث بِأَنَّهُ لَا يقطع سَارِق فِي مجاعَة، لِأَن الْمُوَاسَاة وَاجِبَة للمحتاجين وَخَصه أَبُو عمر بِسَرِقَة المأكل. وَفِيه: أَن للْإِمَام أَن يواسي بَين النَّاس فِي الأقوات فِي الْحَضَر بِثمن وَغَيره، كَمَا فعل ذَلِك فِي السّفر. وَفِيه: قُوَّة إِيمَان هَؤُلَاءِ الْبَعْث، إِذْ لَو ضعف، وَالْعِيَاذ بِاللَّه، لما خَرجُوا وهم ثَلَاثمِائَة وَلَيْسَ مَعَهم سوى جراب تمر أَو مزودي تمر، كَمَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. قَالَ عِيَاض: وَيحْتَمل أَن يكون، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زودهم الجراب زَائِدا عَمَّا كَانَ مَعَهم من الزَّاد من أَمْوَالهم، وَيحْتَمل أَنه لم يكن فِي أَزْوَادهم تمر غير هَذَا الجراب، وَكَانَ مَعَهم غَيره من الزَّاد. وَقيل: يحْتَمل أَن الجراب الَّذِي زودهم الشَّارِع كَانَ على سَبِيل الْبركَة، فَلِذَا كَانُوا يأخذونه تَمْرَة تَمْرَة. وَفِيه: فضل أبي عُبَيْدَة، وَلِهَذَا سَمَّاهُ الشَّارِع: أَمِين هَذِه الْأمة. وَفِيه: النّظر فِي الْقَوْم وَالتَّدْبِير فِيهِ وَفضل الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، على مَا كَانَ فيهم من الْبُؤْس وَقد اسْتَجَابُوا لله وَلِلرَّسُولِ من بَعْدَمَا أَصَابَهُم الْقرح. وَفِيه: رضاهم بِالْقضَاءِ وطاعتهم للأمير. وَفِيه: جَوَاز الشّركَة فِي الطَّعَام خلط الأزواد فِي السّفر إِذا كَانَ ذَلِك أرْفق بهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute