للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأثران الموقوفان بِرِجَال ثِقَات يوضحان أَنه ركب الْبَحْر إِلَيْهِ. وَعَن هَذَا قَالَ ابْن رشيد: يحْتَمل أَن يكون ثَبت عِنْد البُخَارِيّ أَن مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، توجه فِي الْبَحْر لما طلب الْخضر، وَحمل ابْن الْمُنِير كلمة: إِلَى، بِمَعْنى: مَعَ، يَعْنِي: مَعَ الْخضر، وَقَالَ بَعضهم: يحمل قَوْله: إِلَى الْخضر، على أَن فِيهِ حذفا، أَي: إِلَى قصد الْخضر، لِأَن مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يركب الْبَحْر لحَاجَة نَفسه، وَإِنَّمَا رَكبه تبعا للخضر. قلت: هَذَا لَا يَقع جَوَابا عَن الْإِشْكَال الْمَذْكُور، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام طائح، وَلَا يخفى ذَلِك.

الرَّابِع: أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ ابْن عمرَان بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يَعْقُوب ابْن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، ولد وعُمِّر عمرَان سَبْعُونَ سنة، وعْمرِّ عمرَان مائَة وَسبعا وَثَلَاثِينَ سنة، وعُمِّر مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، مائَة وَعشْرين سنة. وَقَالَ الْفربرِي: مَاتَ مُوسَى وعمره مائَة وَسِتُّونَ سنة، وَكَانَت وَفَاته فِي التيه فِي سَابِع آذار لمضي ألف سنة وسِتمِائَة وَعشْرين سنة من الطوفان فِي أَيَّام منوجهر الْملك، وَكَانَ عمره لما خرج ببني إِسْرَائِيل من مصر ثَمَانِينَ سنة، وَأقَام بالتيه أَرْبَعِينَ سنة. وَلما مَاتَ الريان بن الْوَلِيد الَّذِي ولَّى يُوسُف على خَزَائِن مصر، وَأسلم على يَدَيْهِ ملك بعده قَابُوس بن مُصعب، فَدَعَاهُ يُوسُف إِلَى الْإِسْلَام فَأبى، وَكَانَ جباراً، وَقبض الله يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، وَطَالَ ملكه. ثمَّ هلك وَملك بعده أَخُوهُ الْوَلِيد بن مُصعب بن رَيَّان بن أراشة بن شرْوَان بن عَمْرو بن فاران بن عملاق بن لاوذ بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ أَعْتَى من قَابُوس، وامتدت أَيَّام ملكه حَتَّى كَانَ فِرْعَوْن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي بَعثه الله إِلَيْهِ، وَلم يكن فِي الفراعنة أَعْتَى مِنْهُ وَلَا أطول عمرا فِي الْملك مِنْهُ، عَاشَ أَربع مائَة سنة. ومُوسَى مُعرب: موشى، بالشين الْمُعْجَمَة، سمته بِهِ آسِيَة بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن لما وجدوه فِي التابوت، وَهُوَ اسْم اقْتَضَاهُ حَاله، لِأَنَّهُ وجد بَين المَاء وَالشَّجر. فمو، بلغَة القبط المَاء، و: شى، الشّجر فعرب فَقيل: مُوسَى، وَقَالَ الصغاني: هُوَ عبراني عرب، وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: مُوسَى اسْم رجل، وَزنه مفعل، فعلى هَذَا يكون مصروفاً فِي النكرَة. وَقَالَ الْكسَائي: وَزنه: فعلى، وَهُوَ لَا ينْصَرف بِحَال. قلت: إِن كَانَ عَرَبيا يكون اشتقاقه من الموس، وَهُوَ حلق الشّعْر، فالميم أَصْلِيَّة. وَيُقَال من: أوسيت رَأسه، إِذا حلقته بِالْمُوسَى، فعلى هَذَا: الْمِيم، زَائِدَة. وَقَالَ ابْن فَارس: النِّسْبَة إِلَيْهِ موسي، وَذَلِكَ لِأَن الْيَاء فِيهِ زَائِدَة، كَذَا قَالَ الْكسَائي، وَقَالَ ابْن السّكيت فِي كتاب (التصغير) : تَصْغِير اسْم رجل مويسي، كَأَن مُوسَى فعلى. وَإِن شِئْت قلت: مويسى، بِكَسْر السِّين، وَإِسْكَان الْيَاء غير منونة. وَيُقَال فِي النكرَة: هَذَا مويسى ومويس آخر، فَلم تصرف الأول لِأَنَّهُ أعجمي معرفَة، وصرفت الثَّانِي لِأَنَّهُ نكرَة. ومُوسَى فِي هَذَا التصغير مفعل. قَالَ: فَأَما مُوسَى الحديدة فتصغيرها: مويسية، فَمن قَالَ: هَذِه مُوسَى ومويس، قَالَ: وَهِي تذكر وتؤنث، وَهِي من الْفِعْل: مفعل، وَالْيَاء أَصْلِيَّة.

الْخَامِس: الْبَحْر خلاف الْبر، قيل: سمي بذلك لعمقه واتساعه، وَالْجمع أبحر وبحار وبحور. وَقَالَ ابْن السّكيت: تَصْغِير بحور وبحار أبيحر. وَلَا يجوز أَن تصغر بحار على لَفظهَا، فَتَقول: بحير لَان ذَلِك مضارع الْوَاحِد فَلَا يكون بَين تَصْغِير الْوَاحِد وتصغير الْجمع إلَاّ التَّشْدِيد، وَالْعرب تنزل المشدد منزلَة المخفف، والتركيب يدل على الْبسط والتوسع. وَاخْتلفُوا فِي الْبَحْرين فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين} (الْكَهْف: ٦٠) فَقيل: هُوَ ملتقي بحري فَارس وَالروم. مِمَّا يَلِي الْمشرق. وَقيل: طنجة. وَقيل: أفريقية. وَذكر السُّهيْلي: أَنَّهَا بَحر الْأُرْدُن وبحر القلزم. وَقيل: بَحر الْمغرب وبحر الزقاق. قلت: بَحر فَارس ينبعث من بَحر الْهِنْد شمالاً بَين مكران، وَهِي على فَم بَحر فَارس من شرقيه، وَبَين عمان وَهِي على فَم بَحر فَارس من غربيه، وبحر الرّوم هُوَ بَحر أفريقية وَالشَّام، يَمْتَد من عِنْد الْبَحْر الْأَخْضَر إِلَى الْمشرق، ويتصل بطرسوس، وبحر طنجة بَينهَا وَبَين سبتة وَغَيرهمَا من بر العدوة من الأندلس. وبحر أفريقية هُوَ بَحر طرابلس الغرب يَمْتَد مِنْهَا شرقاً حَتَّى يتَجَاوَز حُدُود أفريقية، وَهُوَ الَّذِي يتَّصل بإسكندرية، وَالْكل يُسمى بَحر الرّوم. وَإِنَّمَا يُضَاف إِلَى الْبِلَاد عِنْد الِاتِّصَال إِلَيْهَا، وبحر القلزم يَأْخُذ من القلزم، وَهِي بَلْدَة للسودان على طرفه الشمَال جنوباً بميله إِلَى الْمشرق، حَتَّى يصير عِنْد الْقصير، وَهِي فرْصَة قوص، والأردن: بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَضم الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَتَشْديد النُّون فِي آخرهَا، بَلْدَة من بِلَاد الْغَوْر من الشَّام، وَلَا أعرف بحراً ينْسب إِلَيْهَا وَإِنَّمَا نسب إِلَيْهَا نهر كَبِير يُسمى نهر الْأُرْدُن، وَهُوَ نهر الْغَوْر، وَيُسمى الشَّرِيعَة أَيْضا، وَآخره يَنْتَهِي إِلَى الْبحيرَة المنتنة، وَهِي بحيرة زغر. وبحر الزقاق بَين طنجة وبر الأندلس، هُنَاكَ يُسمى بَحر الزقاق، وَهُوَ يضيق هُنَاكَ و: وبحر الغرب: وَهُوَ الْبَحْر الْأَخْضَر، الَّذِي لَا يعرف إلَاّ مَا يَلِي الغرب من أقاصي الْحَبَشَة إِلَى خلف بِلَاد الرومية، وَهِي بِحَيْثُ لَا يدْرك آخرهَا، لِأَن المراكب لَا تجْرِي فِيهَا، وَله خليج إِلَى الأندلس وطنجة.

السَّادِس: الْخضر، وَالْكَلَام فِيهِ على

<<  <  ج: ص:  >  >>