لَا تَكْلِيف فِيهَا وَلَا يلْزمه فِيهَا لِأَنَّهَا لَا قدرَة عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُؤمر بِالْعَدْلِ فِي الْأَفْعَال، حَتَّى اخْتلفُوا فِي أَنه: هَل يلْزمه الْقسم بَين الزَّوْجَات أم لَا؟ وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: يناشدنك الله الْعدْل، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن ابْن شهَاب: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن الْحَارِث بن هِشَام، قَالَت: أرْسلت أَزوَاج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاستأذنت عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجع معي فِي مِرْطِي فَأذن لَهَا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله {إِن أَزوَاجك أَرْسلنِي يسألنك الْعدْل فِي بنت أبي قُحَافَة، وَأَنا ساكتة. قَالَت: فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَلَسْت تحبين مَا أحب؟) فَقَالَت: بلَى قَالَ: (فأحبي هَذِه) . قَالَت فَاطِمَة حِين سَمِعت ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَجَعت إِلَى أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبرتهن بِالَّذِي قَالَت وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْنَ لَهَا: مَا نرَاك أغنيت عَنَّا من شَيْء، فارجعي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقولِي لَهُ: إِن أَزوَاجك ينشدنك الْعدْل فِي بنت أبي قُحَافَة، فَقَالَت فَاطِمَة: وَالله لَا ُأكَلِّمهُ فِيهَا أبدا. قَالَت عَائِشَة: فَأرْسل أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب بنت جحش، زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي الَّتِي كَانَت تساميني مِنْهُنَّ من الْمنزلَة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم أرَ امْرَأَة قطّ خيرا فِي الدّين من زَيْنَب وَأتقى لله وأصدق حَدِيثا وأوصل للرحم وَأعظم صَدَقَة، وَأَشد ابتذالاً لنَفسهَا فِي الْعَمَل الَّذِي تصدق بِهِ، وتقرب إِلَى الله مَا عدا سُورَة من حِدة كَانَت فِيهَا تسرع الْفَيْئَة، قَالَت: فاستأذنت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ عَائِشَة على الْحَال الَّذِي دخلت فَاطِمَة عَلَيْهَا وُجُوبهَا فَإِذن لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله} إِن أَزوَاجك أرسلنني يسألنك الْعدْل فِي بنت أبي قُحَافَة. قَالَت: ثمَّ وَقعت بِي فاستطالت عَليّ وَأَنا أرقب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأرقب طرفه: هَل يَأْذَن لي فِيهَا؟ قَالَت: فَلم تَبْرَح زَيْنَب حَتَّى عرفت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يكره أَن أنتصر، قَالَت: فَلَمَّا وَقعت بهَا لم أنشبها حَتَّى انهيت عَلَيْهَا. قَالَت: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَبَسم: إِنَّهَا بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا سقت حَدِيث مُسلم بِكَمَالِهِ لِأَنَّهُ كالشرح لحَدِيث البُخَارِيّ مَعَ زيادات فِيهِ، وسأشرح بعض مَا فِيهِ. قَوْله: (يَا بنية) ، تَصْغِير إشفاق. قَوْله: (فَأَتَتْهُ) أَي: فَأَتَت زَيْنَب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فأغلظت) أَي: فِي كَلَامهَا. قَوْله: (فِي بنت أبي قُحَافَة) ، بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء: هِيَ كنية وَالِد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، واسْمه: عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد ابْن تَمِيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب، وَاسم أبي بكر: عبد الله، يلتقي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مرّة بن كَعْب. قَوْله: (حَتَّى تناولت) ، أَي: تعرضت. قَوْله: (وَهِي قَاعِدَة) ، جملَة حَالية، أَي: عَائِشَة قَاعِدَة، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه مُخْتَصرا من طَرِيق عبد الله الْبَهِي: عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، قَالَت: دخلت عَليّ زَيْنَب بنت جحش فسبتني فردعها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَبت، فَقَالَ: سبيهَا، فسببتها حَتَّى جف رِيقهَا فِي فمها. انْتهى. يحْتَمل أَن تكون هَذِه قَضِيَّة أُخْرَى. قَوْله: (وَقَالَ: إِنَّهَا بنت أبي بكر) ، أَي: إِنَّهَا شريفة عَاقِلَة عارفة كأبيها وَقيل: مَعْنَاهُ هِيَ أَجود فهما وأدق نظرا مِنْهَا. وَفِيه: الِاعْتِبَار بِالْأَصْلِ فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء. وَفِيه: لَطِيفَة أُخْرَى، وَهِي، أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَسَبهَا إِلَى أَبِيهَا فِي معرض الْمَدْح، ونسبت فِيمَا تقدم إِلَى أبي قُحَافَة حَيْثُ لما أُرِيد النّيل مِنْهَا، ليخرج أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من الْوسط إِذْ ذَاك، وَلِئَلَّا يهيج ذكره الْمحبَّة. قَوْله فِي رِوَايَة مُسلم: تساميني، بِالسِّين الْمُهْملَة أَي: تضاهيني فِي الْمنزلَة من السمو وَهُوَ الِارْتفَاع. قَوْله؛ (مَا عدا سُورَة من حِدة) بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ العجلة بِالْغَضَبِ، ويروى: من حد، بِدُونِ الْهَاء، وَهُوَ شدَّة الْخلق، وصحف صَاحب (التَّحْرِير) فروى: سَوْدَة، بِالدَّال وَجعلهَا بنت زَمعَة، وَهُوَ ظَاهر الْغَلَط. قَوْله: (تسرع مِنْهَا الْفَيْئَة) ، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْهمزَة، وَهُوَ الرُّجُوع من: فَاء إِذا رَجَعَ، وَمعنى كَلَامهَا أَنَّهَا كَامِلَة الْأَوْصَاف إلَاّ فِي شدَّة خلق بِسُرْعَة غضب، وَمَعَ ذَلِك يسْرع زَوَالهَا عَنْهَا. قَوْله: لم أنشبها أَي: لم أهملها حَتَّى أنحيت، بالنُّون والحاء الْمُهْملَة، أَي قصدتها بالمعارضة، ويروى: حِين أنحيت، وَرجح القَاضِي هَذِه الرِّوَايَة وَمَا ثمَّ مَوضِع ترجح، ويروى: أثختها بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وبالنون، أَي: قطعتها وغلبتها. قَوْله: (وَتَبَسم) ، جملَة وَقعت حَالا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فَضِيلَة عَظِيمَة لعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَفِيه: أَنه لَا حرج على الرجل فِي إِيثَار بعض نِسَائِهِ بالتحف، وَإِنَّمَا اللَّازِم الْعدْل فِي الْمبيت وَالنَّفقَة وَنَحْو ذَلِك من الْأُمُور اللَّازِمَة، كَذَا رُوِيَ عَن الْمُهلب، وَاعْترض على ذَلِك بِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute