آخر، فَقَالَ مَالك: يجوز إِذا سلم إِلَيْهِ الْوَثِيقَة بِالدّينِ وأحله مَحل نَفسه، فَإِن لم يكن وَثِيقَة وأشهدا على ذَلِك وأعلنا فَهُوَ جَائِز. وَقَالَ أَبُو ثَوْر: الْهِبَة جَائِزَة أشهد أَو لم يشْهد إِذا تقاررا على ذَلِك، وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنفة: الْهِبَة غير جَائِزَة لِأَنَّهَا لَا تجوز عِنْدهم إلَاّ مَقْبُوضَة. انْتهى. وَعند الشَّافِعِيَّة فِي ذَلِك وَجْهَان: جزم الْمَاوَرْدِيّ بِالْبُطْلَانِ وَصَححهُ الْغَزالِيّ وَمن تبعه، وَصحح العمراني وَغَيره الصِّحَّة، قيل: وَالْخلاف مُرَتّب على البيع إِن صححنا بيع الدّين من غير من عَلَيْهِ، فالهبة أولى، وَإِن منعناه فَفِي الْهِبَة وَجْهَان. وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: تمْلِيك الدّين من غير من هُوَ عَلَيْهِ لَا يجوز، لِأَنَّهُ لَا يقدر على تَسْلِيمه، وَلَو ملكه مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ يجوز، لِأَنَّهُ إِسْقَاط وإبراء.
ووهَبَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ لرَجُلٍ دَيْنَهُ
الْحسن هُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب. قَوْله: (لرجل دينه) أَي: دينه الَّذِي عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ، لِأَنَّهُ فِي نفس الْأَمر إِبْرَاء.
وَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ كانَ لَهُ عَلَيْهِ حقٌّ فلْيُعْطِهِ أوْ لِيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسَدّد فِي (مُسْنده) من طَرِيق سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: من كَانَ لأحد عَلَيْهِ حق فليعطه إِيَّاه أَو ليتحلله مِنْهُ. قَوْله: (أَو ليتحلله مِنْهُ) أَي: من صَاحبه، والتحلل الإستحلال من صَاحبه، وتحلله أَي: جعله فِي حل بإبرائه ذمَّته.
فَقَالَ جابرٌ قُتلَ أبي وعَلَيْهِ دَينٌ فسَأل النبيُّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُرَمَاءَهُ أنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حائِطي ويُحَلِّلُوا أبي
جَابر هُوَ ابْن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَأَبوهُ عبد الله بن عَمْرو بن حرَام بن ثَعْلَبَة الخزرجي السّلمِيّ نقيب بَدْرِي قتل بِأحد والْحَدِيث مضى مَوْصُولا فِي الْقَرْض، وَفِي هَذَا الْبَاب أَيْضا بأتم مِنْهُ على مَا يَأْتِي. قَوْله: (ثَمَر حائطي) . بالثاء الْمُثَلَّثَة، ويروى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، والحائط هُنَا: الْبُسْتَان من النّخل إِذا كَانَ عَلَيْهِ حَائِط أَي جِدَار.
١٠٦٢ - حدَّثنا عبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يُونُسُ وَقَالَ الليثُ قَالَ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ حدَّثني ابنُ كَعْبِ بنِ مالِكٍ أنَّ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أخبرَهُ أنَّ أباهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيداً فاشْتَدَّ الغُرَماءُ فِي حُقُوقِهمْ فأتيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَلَّمْتُهُ فسَألَهُمْ أنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حائِطي ويُحَلِّلُوا أبي فأبَوْا فلَمْ يُعْطِهِمْ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حائِطي ولَمْ يَكْسِرْهُ لَهُمْ ولاكِنْ قَالَ سأغْدُو عليْكَ فغَدَا علَيْنَا حينَ أصْبَحَ فَطافَ فِي النَّخْلِ ودَعا فِي ثَمَرِهِ بالبَرَكَةِ فجدَدْتُها فقَضَيْتُهُمْ حُقُوقَهُمْ وبَقِيَ لَنَا مِنْ ثَمَرِهَا بَقِيَّةٌ ثُمَّ جِئْتُ رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ جالِسٌ فأخبرْتُهُ بذالِكَ فَقَالَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعُمَرَ اسْمَعْ وهْوَ جالِسٌ يَا عُمَرَ فَقَالَ عُمرُ ألَا يكُونُ قدْ عَلِمْنا أنَّكَ رسولُ الله وَالله إنَّكَ لَرَسولُ الله..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَلكنه بالتكلف، وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ غُرَمَاء أبي جَابر أَن يقبضوا ثَمَر حَائِطه. ويحللوه من بَقِيَّة دينه، وَلَو قبلوا ذَلِك كَانَ إِبْرَاء ذمَّة أبي جَابر من بَقِيَّة الدّين، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لَو وَقع كَانَ هبة الدّين مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ، وَهُوَ معنى التَّرْجَمَة، وَهَذَا يدل على أَن هَذَا الصَّنِيع يجوز فِي الدّين، إِذْ لَو لم يكن جَائِزا لما سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُرَمَاء أبي جَابر بِهِ. فَافْهَم، فَإِنَّهُ دَقِيق، غفل عَنهُ الشُّرَّاح.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الاستقراض فِي: بَاب إِذا قضى دون حَقه أَو حلله فَهُوَ جَائِز، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَبْدَانِ أَيْضا عَن عبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: نَحْو الطَّرِيق الَّذِي أخرجه فِي الْبَاب الْمَذْكُور. وَالْآخر: مُعَلّق عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب هُوَ الزُّهْرِيّ