قد بلغَهَا خبر الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فآمنت بِهِ وعابت على قَومهَا عبَادَة الْأَوْثَان، فَلَمَّا قدم الْخَلِيل حران تزوجته على أَن لَا يغيرها، وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى نبوة ثَلَاث نسْوَة: سارة وَأم مُوسَى وَمَرْيَم، عَلَيْهِنَّ السَّلَام، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: أَنَّهُنَّ صديقات.
وأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شاةٌ فِيهَا سُمٌّ
يَأْتِي حَدِيث هَذِه الْهَدِيَّة فِي هَذَا الْبَاب مَوْصُول، وَيَأْتِي الْكَلَام فِيهَا هُنَاكَ.
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ أهْدَى مَلِكُ أيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَغْلَةً بَيْضَاءَ وكَساهُ بُرْداً وكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ
أَبُو حميد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، قيل: اسْمه عبد الرَّحْمَن، وَقيل: غير ذَلِك، والْحَدِيث الْمُعَلق مضى مطولا فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب خرص التَّمْر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وأيلة، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: بَلْدَة مَعْرُوفَة بساحل الْبَحْر فِي طَرِيق المصريين إِلَى مَكَّة، وَهِي الْآن خراب. قَوْله: (وَكتب لَهُ ببحرهم) ، أَي: ببلدهم وحكومة أَرضهم وديارهم لَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر، لَا الْبَحْر الَّذِي هُوَ ضد الْبر، كَمَا توهمه بَعضهم.
٥١٦٢ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ قَتادَةَ قَالَ حدَّثنا أنَسٌ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبَّةَ سُنْدُسٍ وكانَ يَنْهَى عنِ الحَرِيرِ فعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والَّذِي نِفْس مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أحْسَنُ مِنْ هَذَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ قبُول الْهَدِيَّة من الْمُشرك، لِأَن الَّذِي أهداها هُوَ أكيدر دومة، على مَا يَجِيء عَن قريب. وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَيُونُس بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْمُؤَدب البغذذ أَي شَيبَان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عبد الرحمان النَّحْوِيّ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صفة الْجنَّة عَن عبد الله بن مُحَمَّد أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن يُونُس بن مُحَمَّد عَنهُ بِهِ.
قَوْله: (أهدي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمهْدِي هُوَ أكيدر، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله: (سندس) ، قَالَ ابْن الْأَثِير: السندس مَا رق من الديباج وَرفع، وَقَالَ الدَّاودِيّ: السندس رَقِيق الديباج، والاستبرق غليظه، وَقَالَ ابْن التِّين: الاستبرق أفضل من السندس لِأَنَّهُ غليظ الديباج، وكل مَا غلظ من الْحَرِير كَانَ أفضل من رَقِيقه، قَوْله: (وَكَانَ ينْهَى عَن الْحَرِير) ، جملَة حَالية. قَوْله: (لمناديل سعد) ، جمع منديل، وَهُوَ الَّذِي يحمل فِي الْيَد، مُشْتَقّ من الندل، وَهُوَ: النَّقْل، لِأَنَّهُ ينْقل من يَد إِلَى يَد، وَقيل: الندل الْوَسخ، وَفِيه إِشَارَة إِلَى منزلَة سعد فِي الْجنَّة، وَأَن أدنى ثِيَابه فِيهَا خير من هَذِه الْجُبَّة، لِأَن المناديل فِي الثِّيَاب أدناها، لِأَنَّهُ معد للوسخ والامتهان، فَغَيره أفضل مِنْهُ، وَقيل: فِي قَوْله: (لمناديل سعد) ضرب الْمِثَال بالمناديل الَّتِي يمسح بهَا الْأَيْدِي وينفض بهَا الْغُبَار ويتخذ لفافة لجيِّد الثِّيَاب، فَكَانَت كالخادم، وَالثيَاب كالمخدوم، فَإِذا كَانَت المناديل أفضل من هَذِه الثِّيَاب أَعنِي: جُبَّة السندس دلّ على عطايا الرب، جلّ جَلَاله، قَالَ: {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين} (السَّجْدَة: ٧١) . فَإِن قلت: مَا وَجه تَخْصِيص سعد بِهِ؟ قلت: لَعَلَّ منديله كَانَ من جنس ذَلِك الثَّوْب لوناً وَنَحْوه، أَو كَانَ الْوَقْت يَقْتَضِي استمالة سعد، أَو كَانَ اللامسون المتعجبون من الْأَنْصَار، فَقَالَ: منديل سيدكم خير مِنْهَا، أَو كَانَ سعد يجب ذَلِك الْجِنْس من الثِّيَاب، وَقَالَ صَاحب (الِاسْتِيعَاب) رُوِيَ أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، نزل فِي جنَازَته معتجراً، بعمامة من استبرق.
٦١٦٢ - وَقَالَ سَعِيدٌ عنْ قَتادَة عنْ أنَسٍ أنَّ أُكَيْدَرَ دُومَةَ أهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..
سعيد خَز تبم أبي عرُوبَة، روى عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَحْمد عَن روح عَن سعيد بن أبي عرُوبَة بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: (جُبَّة سندس أَو ديباج) شكّ سعيد، وأكيدر بِضَم الْهمزَة تَصْغِير أكدر، وَهُوَ ابْن عبد الْملك بن عبد الْجِنّ، بِالْجِيم وَالنُّون