قبل أَن يؤمروا بِقِتَال الْمُشْركين كَافَّة، فَاسْتَشَارَ الْمُسلمُونَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قراباتهم من الْمُشْركين أَن يبروهم ويصلوهم، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَقَالَ قَتَادَة وَابْن زيد: ثمَّ نسخ ذَلِك، وَلَا يجوز الإهداء للْمُشْرِكين إلَاّ لِلْأَبَوَيْنِ خَاصَّة، لِأَن الْهَدِيَّة فِيهَا تأنيس للمهدى إِلَيْهِ، وألطاف لَهُ، وتثبيت لمودته، وَقد نهى الله تَعَالَى عَن التودد للْمُشْرِكين بقوله: {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوأدون من حادَّ الله وَرَسُوله} (المجادلة: ٢٢) . الْآيَة، وَقَوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة} (الممتحنة: ١) . قَوْله: (أَن تبروهم وتقسطوا إِلَيْهِم) ، أَي: أَن تحسنوا إِلَيْهِم وتعاملوهم فِيمَا بَيْنكُم بِالْعَدْلِ وتقسطوا، بِضَم التَّاء من الإقساط، وَهُوَ الْعدْل، يُقَال: أقسط يقسط فَهُوَ مقسط إِذا عدل، وقسط يقسط فَهُوَ قاسط إِذا جَار، فَكَأَن الْهمزَة فِي أقسط للسلب، كَمَا يُقَال: شكا إِلَيْهِ فأشكاه أَي: أَزَال شكواه.
٩١٦٢ - حدَّثنا خالدُ بنُ مَخْلَدٍ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ قَالَ حدَّثني عبْدُ الله بنُ دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ رَأى عُمَرُ حُلَّةً علَى رَجُلٍ تُباعُ فَقَالَ لِلنَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْتَعْ هَذِهِ الحُلَّةَ تَلْبَسْها يَوْمَ الجُمْعَةِ وإذَا جاءَكَ الوَفْدُ فَقَالَ إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ فأتِي رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا بِحُلَلٍ فأرْسَلَ إِلَى عُمَرَ مِنْهَا بِحُلَّةٍ فَقَالَ عُمَرَ كَيْفَ ألْبَسُها وقَدْ قُلْتُ مَا قُلْتُ قَالَ إنِّي لَمْ أكْسُكَها لِتَلْبَسَهَا تَبِيعُها أوْ تَكْسُوهَا فأرْسَلَ بِها عُمَرُ إِلَى إخٍ لَهُ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أنْ يُسْلِمَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ، وَهُوَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أرسل تِلْكَ الْحلَّة الَّتِي أرسلها إِلَيْهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَخ لَهُ بِمَكَّة، وَهُوَ مُشْرك، فَدلَّ ذَلِك على جَوَاز الإهداء للرحم من الْمُشْركين، وَهَذَا أوضح الحكم فِي إِطْلَاق التَّرْجَمَة، وَأَنَّهَا لَيست على إِطْلَاقهَا، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بَاب يلبس أحسن مَا يجد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَمضى أَيْضا عَن قريب فِي: بَاب هَدِيَّة مَا يكره لبسهَا، عَن عبيد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَهنا أخرجه: عَن خَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام: البَجلِيّ الْكُوفِي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
٠٢٦٢ - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ قَالَ حَدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ أسْماءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَتْ قَدِمَتْ علَيَّ أُمِّي وهْيَ مُشْرِكَةٌ فِي عِهْدِ رَسُولِ الله فاسْتَفْتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْتُ وهْيَ رَاغِبَةٌ أفأصِلُ أُمِّي قالَ نَعَمْ صِلي أُمَّكِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد، بِضَم الْعين مصغر عبد ابْن إِسْمَاعِيل، واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله، يكنى أَبَا مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِزْيَة عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْأَدَب عَن الْحميدِي: وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي كريب وَعَن ابْن أبي شيبَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن هِشَام عَن أَبِيه) ، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة الْآتِيَة فِي الْأَدَب: أَخْبرنِي أبي. قَوْله: (عَن أَسمَاء) ، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: أَخْبَرتنِي أَسمَاء، كَذَا قَالَ أَكثر أَصْحَاب ابْن هِشَام، وَقَالَ بعض أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة: عَنهُ عَن هِشَام عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ خطأ، وَحكى أَبُو نعيم أَن عمر بن عَليّ الْمُقدم وَيَعْقُوب الْقَارِي روياه عَن هِشَام كَذَلِك، وَإِذا كَانَ كَذَلِك يحْتَمل أَن يَكُونَا محفوظين، وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة وَعبد الحميد بن جَعْفَر عَن هِشَام، فَقَالَا: عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَكَذَا أخرجه ابْن حبَان من طَرِيق الثَّوْريّ عَن هِشَام، قَالَ البرقاني: الأول أثبت وَأشهر. قَوْله: (قدمت على أُمِّي) ، وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عَن هِشَام كَمَا يَأْتِي فِي الْأَدَب: قدمت أُمِّي مَعَ ابْنهَا، وَذكر الزبير: أَن اسْم ابْنهَا الْحَارِث بن مدرك بن عبيد بن عمر ابْن مَخْزُوم.
ثمَّ اخْتلف فِي هَذِه الْأُم؟ فَقيل: كَانَت ظِئْرًا لَهَا، وَقيل: كَانَت أمهَا من الرضَاعَة، وَقيل: كَانَت أمهَا من النّسَب، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute