للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفرس الْوَاسِع الجرى وَزعم نفطويه: أَن الْبَحْر من أَسمَاء الْخَيل وَهُوَ الْكثير الجري الَّذِي لَا يفنى جريه، كَمَا لَا يفنى مَاء الْبَحْر، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي رِوَايَة سعيد عَن قَتَادَة، فَكَانَ بعد ذَلِك لَا يجاري. وَقَالَ عِيَاض: إِن فِي خيل سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فرسا يُسمى: البخر، اشْتَرَاهُ من تجار قدمُوا من الْيمن فَسبق عَلَيْهِ مَرَّات، ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: يحْتَمل أَنه تصير إِلَيْهِ بعد أبي طَلْحَة. قيل: هَذَا نقض للْأولِ، لَكِن لَو قَالَ: إنَّهُمَا فرسَان اتفقَا فِي الِاسْم لَكَانَ أقرب. قلت: كَانَ للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فرسا مِنْهَا سَبْعَة مُتَّفق عَلَيْهَا وَهِي: السكب: اشْتَرَاهُ من أَعْرَابِي من بني فَزَارَة، وَهُوَ أول فرس ملكه وَأول فرس غزا عَلَيْهِ وَكَانَ كميتا. والمرتجز: اشْتَرَاهُ من أَعْرَابِي من بني مرّة وَكَانَ أَبيض. ولزاز: أهداه لَهُ الْمُقَوْقس، واللحيف: أهداه لَهُ ربيعَة بن أبي الْبَراء. والظرب: أهداه لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو عَامل البلقاء لقيصر الرّوم. والورد: أهداه لَهُ تَمِيم الدَّارِيّ، فَأعْطَاهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله، ثمَّ وجده يُبَاع برخص، فَقَالَ لَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تشتره) ، وسبحه: والبقية مُخْتَلف فِيهَا، وَذكر فِيهَا: البخر وَالْمَنْدُوب. أما الْبَحْر: فقد ذكر عِيَاض أَنه اشْتَرَاهُ من تجار قدمُوا من الْيمن. وَأما الْمَنْدُوب: فَهُوَ الَّذِي رَكبه أَبُو طَلْحَة، من: نَدبه فَانْتدبَ أَي: دَعَاهُ فَأجَاب: فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن وَجَدْنَاهُ لبحراً) مَعْنَاهُ: وجدنَا الْفرس الَّذِي يُسمى مَنْدُوبًا بحراً. فَقَوله: (بحراً) ، صفته وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ ذَاك الْفرس الَّذِي اشْتَرَاهُ من التُّجَّار الْمُسَمّى بالبحر. وَأما ذكر الْمَنْدُوب فِي خيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالظَّاهِر أَن أَبَا طَلْحَة وهبه لَهُ، فَمن حسن جريه شبهه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببحر، فَدلَّ ذَلِك على أَن الْبَحْر اسْم للْفرس الَّذِي اشْتَرَاهُ من التُّجَّار، وَالْبَحْر الآخر صفة للمندوب، وَهَذَا تَحْرِير الْكَلَام، وَقد جمع بَعضهم أَفْرَاس النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بَيت وَهِي الأفراس الْمُتَّفق عَلَيْهَا، فَقَالَ:

(وَالْخَيْل: سكب لحيف سبْحَة ظرب ... لزاز مرتجز ورد لَهَا أسرار)

وَآخر جمع أسيافه:

(إِن شِئْت أَسمَاء سياف النَّبِي فقد ... جَاءَت بأسمائها السَّبع أَخْبَار)

(قل: محذم ثمَّ حتف ذُو الفقار وَقل ... غضب رسوب وقلعي وبتار)

قلت: سيوفه عشرَة، هَذِه سَبْعَة وَالثَّلَاثَة الْأُخْرَى: رسوب ومأثور وَرثهُ من أَبِيه، قدم بِهِ الْمَدِينَة وَهُوَ أول سيف ملكه. وصمصامة، سيف عَمْرو معدي كرب، وهبه لخَالِد بن سعيد، وَيُقَال: وَله سيف آخر يدعى الْقَضِيب، وَهُوَ أول سيف تقلد بِهِ، قَالَه النَّيْسَابُورِي فِي كتاب (شرف الْمُصْطَفى) [/ ح.

وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي عَارِية الْحَيَوَان وَالْعَقار مِمَّا لَا يُغَاب عَنهُ، فروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك: أَن من اسْتعَار حَيَوَانا وَغَيره مِمَّا لَا يُغَاب عَنهُ فَتلف عِنْده فَهُوَ مُصدق فِي تلفه، وَلَا يضمنهُ إلَاّ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين، وَالْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ عَطاء: الْعَارِية مَضْمُونَة على كل حَال، كَانَت مِمَّا لَا يُغَاب عَنهُ، أم لَا تعدى فِيهَا أَولا، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: إلَاّ إِذا تلف من الْوَجْه الْمَأْذُون فِيهِ فَلَا ضَمَان عندنَا. وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: الْعَارِية أَمَانَة إِن هَلَكت من غير تعد لم تضمن، وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَالْحسن وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَشُرَيْح وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن شبْرمَة وَإِبْرَاهِيم، وَقضى شُرَيْح بذلك ثَمَانِينَ سنة بِالْكُوفَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِي: تضمن، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَعَطَاء وَإِسْحَاق. وَقَالَ قَتَادَة وَعبد الله بن الْحُسَيْن الْعَنْبَري: إِن شَرط ضَمَانهَا ضمن وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ ربيعَة: كل العواري مَضْمُونَة. وَفِي (الرَّوْضَة) : إِذا تلفت الْعين فِي يَد الْمُسْتَعِير ضمنهَا، سَوَاء تلفت بِآفَة سَمَاوِيَّة أم بفعلة بتقصير أم بِلَا تَقْصِير، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَحكى قَول آخر أَنَّهَا لَا تضمن إلَاّ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ قَول ضَعِيف، وَلَو أعَار بِشَرْط أَن يكون أَمَانَة لغى الشَّرْط وَكَانَت مَضْمُونَة، وَفِي حاوي الْحَنَابِلَة: إِن شَرط نفي ضَمَانهَا سقط الضَّمَان، وَإِن تلف جزؤها بِاسْتِعْمَالِهِ كحمل منشفة لم يضمن فِي أصح الْوَجْهَيْنِ. انْتهى. قلت: وَلَو شَرط الضَّمَان فِي الْعَارِية هَل يَصح؟ فالمشايخ فِيهِ مُخْتَلفُونَ، كَذَا فِي التُّحْفَة، وَقَالَ فِي خُلَاصَة الفتاوي: رجل قَالَ لآخر: أعرني ثَوْبك، فَإِن ضَاعَ فَأَنا لَهُ ضَامِن، قَالَ: لَا يضمن. وَنَقله عَن الْمُنْتَقى.

وَاحْتج الشَّافِعِي وَمن مَعَه بِأَحَادِيث. مِنْهَا: حَدِيث أبي أُمَامَة، أخرجه أَبُو دَاوُد عَنهُ أَنه سمع النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع يَقُول: (الْعَارِية مُؤَدَّاة والزعيم غَارِم) . وَحسنه التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ ابْن حبَان. وَمِنْهَا: حَدِيث أُميَّة بن صَفْوَان بن أُميَّة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>