للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَ قد طَلقهَا زَوجهَا أَحْسبهُ قَالَ ثَلَاثًا فَلم يدْخل بهَا الثَّانِي، فَقَالَ: سُئِلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: (لَا تحل لَهُ حَتَّى يَذُوق عسيلتها وتذوق عُسَيْلَته) . وَأما حَدِيث الرميصاء أَو الغميصاء، فَهُوَ من حَدِيث عَائِشَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ للغميصاء: (لَا، حَتَّى يَذُوق من عُسَيْلَتك وتذوقي من عُسَيْلَته) .

وروى النَّسَائِيّ بِسَنَد جيد عَن عبد الله بن عَبَّاس أَن الغميصاء أَو الرميصاء أَتَت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَشْتَكِي زَوجهَا، وَأَنه لَا يصل إِلَيْهَا، فَلم يلبث أَن جَاءَ زَوجهَا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّهَا كَاذِبَة وَهُوَ يصل إِلَيْهَا وَلكنهَا تُرِيدُ أَن ترجع إِلَى زَوجهَا الأول، فَقَالَ: (لَيْسَ ذَلِك لَهَا حَتَّى يَذُوق عُسَيْلَته) .

قلت: وَفِي الْبَاب. روى بكر بن مَعْرُوف عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} (الْبَقَرَة: ٠٣٢) . نزلت فِي عَائِشَة بنت عبد الرَّحْمَن بن عتِيك النضري، كَانَت تَحت رِفَاعَة، يَعْنِي: ابْن وهب، وَهُوَ ابْن عَمها فَتَزَوجهَا ابْن الزبير ثمَّ طَلقهَا، فَأَتَت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: يَا رَسُول الله {إِن زَوجي طَلقنِي قبل أَن يمسني، أفأرجع إِلَى ابْن عمي؟ فَقَالَ: (لَا، حَتَّى يكون مس) . فَلَبثت مَا شَاءَ الله ثمَّ أَتَت، فَقَالَت: يَا رَسُول الله} إِن زَوجي الَّذِي كَانَ تزَوجنِي بعد زَوجي كَانَ مسني، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كذبت بِقَوْلِك الأول فَلَنْ أصدقك فِي الآخر) فَلَبثت، فَلَمَّا قبض رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَت أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَت: أرجع إِلَى زَوجي الأول فَإِن الآخر قد مسنى؟ فَقَالَ لَهَا أَبُو بكر: قد عهِدت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِين قَالَ لَك: فَلَا تَرْجِعِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا قبض أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جَاءَت عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن أتيتني بعد مرَّتك هَذِه لأرجمنك.

قَوْله: (فَبت طَلَاقي) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: قطع قطعا كلياً بتحصيل الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى، وَهَكَذَا رِوَايَة الْجُمْهُور: بت، من الثلاثي الْمُجَرّد، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَأَبت طَلَاقي، من الْمَزِيد فِيهِ، وَهِي لُغَة ضَعِيفَة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي حِكَايَة عَن الْأَصْمَعِي: لَا يُقَال: يبت، قَالَ: وَقَالَ الْفراء: هما لُغَتَانِ، وَيُقَال: بته يبته، بِضَم الْبَاء فِي الْمُضَارع وَحكى: يبته، بِالْكَسْرِ. قَالَ الْجَوْهَرِي: وَهُوَ شَاذ، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم من حَدِيث ابْن عَبَّاس: كَانَت أُميَّة بنت الْحَارِث عِنْد عبد الرَّحْمَن بن الزبير فَطلقهَا ثَلَاثًا ... الحَدِيث، وَهنا صرح بِالثَّلَاثَةِ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ، على مَا يَأْتِي: أَن رِفَاعَة طَلقنِي آخر ثَلَاث تَطْلِيقَات، فَبَان مِنْهُ أَن الثَّلَاث كَانَت متفرقات، وَأَن المُرَاد بقوله هُنَا: (فَبت طَلَاقي) هِيَ الطَّلقَة الثَّالِثَة الَّتِي تحصل بهَا الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى. قَوْله: (مثل هدبة الثَّوْب) ، بِضَم الْهَاء وَسُكُون الدَّال: وَهِي طرفه الَّذِي لم ينسج، شبهوها بهدب الْعين وَهُوَ شعر الجفن، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (فَأخذت هدبة من جلبابها، فَتَبَسَّمَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ خَالِد: أَلا تزجر هَذِه؟) وَفِيه: (قَالَت عَائِشَة: وَعَلَيْهَا خمار أَخْضَر فشكت ءليها وأرتها خضرَة بجلدها) ، وَفِيه: (فجَاء ابْن الزبير وَمَعَهُ إبنان لَهُ من غَيرهَا، فَقَالَت: وَالله مَا لي إِلَيْهِ من ذَنْب، إلَاّ أَن مَا مَعَه لَيْسَ بأغنى عني من هَذِه) ، وَأخذت هدبة من ثوبها، فَقَالَ: كذبَت يَا رَسُول الله، إِنِّي لأنفضها نفض الْأَدِيم وَلكنهَا ناشز تُرِيدُ رِفَاعَة، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِن كَانَ ذَلِك لم تحلي لَهُ، أَو لم تصلحي لَهُ حَتَّى يَذُوق من عُسَيْلَتك) . وَفِي (تَهْذِيب) الْأَزْهَرِي، قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لامْرَأَة سَأَلت عَن زوج تزوجته لترجع إِلَى زَوجهَا الأول، فَلم ينتشر ذكره للإيلاج: (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته) . وَفِي (المُصَنّف) عَن عَامر، قَالَ: قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (لَا تحل لَهب حَتَّى يهزها هزيز الْبكر) ، وَقَالَ أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (لَا تحل للْأولِ حَتَّى يُجَامِعهَا الثَّانِي وَيدخل بهَا) ، وَقَالَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (حَتَّى يسفسفها بِهِ) . قلت: كَأَنَّهُ من: سفسفت الرّيح التُّرَاب، إِذا أثارته، أَو من السفسفة وَهِي: انتخال الدَّقِيق، وَنَحْوه. قَوْله: (أَن تَرْجِعِي) ، ويروى: (أَن ترجعين) ، بالنُّون وَهِي على لُغَة من يرفع الْفِعْل بعد أَن. قَوْله: (عُسَيْلَته) ، بِضَم الْعين وَفتح السِّين الْمُهْملَة تَصْغِير عسلة وَفِي الْغسْل لُغَتَانِ التَّأْنِيث والتذكير، فأنث الْعسيلَة لذَلِك لِأَن الْمُؤَنَّث يرد إِلَيْهَا الْهَاء إِذا صغر، كَقَوْلِك: سميسة ويدية، وَقيل: إِنَّمَا أنثه لِأَنَّهُ أَرَادَ النُّطْفَة، وَضَعفه النَّوَوِيّ لِأَن الْإِنْزَال لَا يشْتَرط، وَإِنَّمَا هِيَ كِنَايَة عَن الْجِمَاع، شبه لذته بلذة الْعَسَل وحلاوته. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: صغرت العسلة بِالْهَاءِ لِأَن الْغَالِب على الْعَسَل التَّأْنِيث. قَالَ: وَيُقَال: إِنَّمَا أنث لِأَنَّهُ أُرِيد بِهِ العسلة وَهِي الْقطعَة مِنْهُ، كَمَا يُقَال للقطعة من

<<  <  ج: ص:  >  >>