من مُضِيّ مُدَّة عَلَيْهِ فِي حسن الْحَال حَتَّى قدرُوا ذَلِك بِسنة، لِأَن الْفُصُول الْأَرْبَعَة يتَغَيَّر فِيهَا الْأَحْوَال والطبائع، كَمَا فِي الْعنين، قَوْله: {فَإِن الله غَفُور رَحِيم} (النُّور: ٤ و ٥) . يقبل التَّوْبَة من كرمه.
وجَلَدَ عُمَرُ أبَا بَكْرَةَ وشِبْلَ بنَ مَعْبَدٍ ونافِعَاً بِقَذْفِ المُغِيرَةِ ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ وَقَالَ مَنْ تابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ
أَبُو بكرَة اسْمه نفيع مصغر نفع بِالْفَاءِ: ابْن الْحَارِث بن كلدة، بِالْكَاف وَاللَّام وَالدَّال الْمُهْملَة المفتوحات: ابْن عَمْرو بن علاج ابْن أبي سَلمَة واسْمه: عبد الْعُزَّى، وَيُقَال: ابْن عبد الْعزي بن نميرة بن عَوْف بن قسي، وَهُوَ ثَقِيف الثَّقَفِيّ، صَاحب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: كَانَ أَبوهُ عبدا لِلْحَارِثِ بن كلدة، فاستلحقه الْحَار وَهُوَ أَخُو زِيَاد لأمه، وَكَانَت أمهما سميَّة أمة لِلْحَارِثِ بن كلدة، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: أَبُو بكرَة، لِأَنَّهُ تدلى إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ببكرة من حصن الطَّائِف، فكنى أَبَا بكرَة فَأعْتقهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْمئِذٍ رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مائَة حَدِيث وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، اتفقَا على ثَمَانِيَة، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِخَمْسَة، وَمُسلم بِحَدِيث، وَكَانَ مِمَّن اعتزل يَوْم الْجمل وَلم يُقَاتل مَعَ أحد من الْفَرِيقَيْنِ، مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة إِحْدَى وَخمسين، وَصلى عَلَيْهِ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وشبل، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن معبد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبيد بن الْحَارِث بن عَمْرو بن عَليّ بن أسلم بن أحمس بن الْغَوْث بن أَنْمَار البَجلِيّ، قَالَه الطَّبَرِيّ، وَهُوَ أَخُو أبي بكرَة لأمه، وهم أَرْبَعَة أخوة لأم وَاحِدَة اسْمهَا سميَّة. وَقد ذَكرنَاهَا الْآن. وَقَالَ بَعضهم: لَيست لَهُ صُحْبَة، وَكَذَا قَالَ يحيى بن معِين، روى لَهُ التِّرْمِذِيّ، وَنَافِع بن الْحَارِث أَخُو أبي بكرَة لأمه نزلا من الطَّائِف فَأَسْلمَا وَله رِوَايَة، قَالَه الذَّهَبِيّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الثَّلَاثَة يَعْنِي: أَبَا بكرَة وشبل بن معبد ونافعاً أخوة صحابيون شهدُوا مَعَ أَخ آخر لأبي بكرَة اسْمه: زِيَاد، على الْمُغيرَة فجلد الثَّلَاثَة، وَزِيَاد لَيست لَهُ صُحْبَة وَلَا رِوَايَة، وَكَانَ من دهاة الْعَرَب وفصحائهم، مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين، وقصتهم رويت من طرق كَثِيرَة. ومحصلها: أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة كَانَ أَمِير الْبَصْرَة لعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فاتهمه أَبُو بكرَة وشبل وَنَافِع وَزِيَاد الَّذِي يُقَال لَهُ زِيَاد بن أبي سُفْيَان، وهم أخوة لأم تسمى: سميَّة، وَقد ذَكرنَاهَا، فَاجْتمعُوا جَمِيعًا فَرَأَوْا الْمُغيرَة متبطن الْمَرْأَة، وَكَانَ يُقَال لَهَا: الرقطاء أم جميل بنت عَمْرو بن الأفقم الْهِلَالِيَّة، وَزوجهَا الْحجَّاج بن عتِيك بن الْحَارِث بن عَوْف الْجُشَمِي، فرحلوا إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فشكوه، فَعَزله عمر وَولى أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وأحضر الْمُغيرَة فَشهد عَلَيْهِ الثَّلَاثَة بِالزِّنَا، وَأما زِيَاد فَلم يثبت الشَّهَادَة، وَقَالَ: رَأَيْت منْظرًا قبيحاً وَمَا أَدْرِي أخالطها أم لَا؟ فَأمر عمر بجلد الثَّلَاثَة حد الْقَذْف، وروى الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن أبي بكرَة الْقِصَّة مُطَوَّلَة، وفيهَا: فَقَالَ زِيَاد: رأيتهما فِي لِحَاف وَسمعت نفسا عَالِيا، وَمَا أَدْرِي مَا وَرَاء ذَلِك، وَالتَّعْلِيق الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ وَصله الشَّافِعِي فِي (الْأُم) عَن سُفْيَان، قَالَ: سَمِعت الزُّهْرِيّ يَقُول: زعم أهل الْعرَاق أَن شَهَادَة الْمَحْدُود لَا تجوز، فَأشْهد لأخبرني فلَان أَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ لأبي بكرَة، تب وَأَقْبل شهادتك. قَالَ سُفْيَان: سمى الزُّهْرِيّ الَّذِي أخبرهُ فحفظته ثمَّ نَسِيته، فَقَالَ لي عمر بن قيس: هُوَ ابْن الْمسيب، وروى سُلَيْمَان بن كثير عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد أَن عمر قَالَ لأبي بكرَة وشبل وَنَافِع: من تَابَ مِنْكُم قبلت شَهَادَته، قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: ابْن الْمسيب لم يَأْخُذهُ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إلَاّ بلاغاً لِأَنَّهُ لم يَصح لَهُ عَنهُ سَماع، وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَقَالَ: حَدثنَا قيس بن سَالم الْأَفْطَس عَن قيس بن عَاصِم، قَالَ: كَانَ أَبُو بكرَة إِذا أَتَاهُ رجل ليشهده قَالَ: أشهِد غَيْرِي، فَإِن الْمُسلمين قد فسقوني. وَالدَّلِيل على أَن الحَدِيث لم يكن عِنْد سعيد بِالْقَوِيّ، أَنه كَانَ يذهب إِلَى خِلَافه، روى عَنهُ قَتَادَة وَعَن الْحسن أَنَّهُمَا قَالَا: الْقَاذِف إِذا تَابَ تَوْبَة فِيمَا بَينه وَبَين ربه، عز وَجل، لَا تقبل لَهُ شَهَادَة، ويستحيل أَن يسمع من عمر شَيْئا بِحَضْرَة الصَّحَابَة وَلَا ينكرونه عَلَيْهِ وَلَا يخالفونه ثمَّ يتْركهُ إِلَى خِلَافه، وَذكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي كِتَابه (الْمدْخل) : إِذا لم يثبت هَذَا، كَيفَ رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه؟ وَأجِيب: بِأَن الْخَبَر مُخَالف للشَّهَادَة، وَلِهَذَا لم يتَوَقَّف أحد من أهل الْمصر عَن الرِّوَايَة عَنهُ وَلَا طعن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute