للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقالَ الشُّعْبِيُّ وقَتادَةُ إذَا أكْذَبَ نفْسَهُ جُلِدَ وقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ

الشّعبِيّ عَامر بن شرَاحِيل، وصل مَا روى عَنهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِذا أكذب الْقَاذِف نَفسه قبلت شَهَادَته. قلت: قد صَحَّ عَن الشّعبِيّ فِي أحد قوليه: إِنَّه لَا تقبل، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن عَن ابْن حزم.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا جُلِدَ العَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ جازَتْ شَهَادَتُهُ وإنِ اسْتُقْضِيَ الْمَحُدُودُ فَقضاياهُ جائِزَةٌ

أَي: قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: رَوَاهُ عَنهُ فِي (جَامعه) عبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي، وروى عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن وَاصل عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا تقبل شَهَادَة الْقَاذِف تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين الله، وَقَالَ الثَّوْريّ: وَنحن على ذَلِك.

وَقَالَ بعْضُ النَّاسِ لَا تَجُوزُ شهادَةُ القَاذِفِ وإنْ تابَ

أَرَادَ بِبَعْض النَّاس أَبَا حنيفَة، فِيمَا ذهب إِلَيْهِ، وَلَكِن هَذَا لَا يمشي وَلَا يبرد بِهِ قلب المتعصب، فَإِن أَبَا حنيفَة مَسْبُوق بِهَذَا القَوْل، وَلَيْسَ هُوَ بمخترع لَهُ، وَقد ذكرنَا عَن قريب عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نَحوه وَعَن جمَاعَة من التَّابِعين، وَقد ذَكَرْنَاهُمْ، وَقَالَ بَعضهم: وَهَذَا مَنْقُول عَن الحنيفة، يَعْنِي: عدم قبُول شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف، وَقَالَ: وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَحَادِيث قَالَ الْحفاظ: لَا يَصح شَيْء مِنْهَا، وأشهرها حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة وَلَا مَحْدُود فِي الْإِسْلَام. أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة نَحوه، وَقَالَ: لَا يَصح، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: مُنكر، قلت: قد مر عَن قريب حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا فِي (مُصَنفه) وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَلما أخرجه أَبُو دَاوُد سكت عَنهُ، وَهَذَا دَلِيل الصِّحَّة عِنْده.

ثُمَّ قالَ لَا يَجُوزُ نِكاحٌ بِغَيْرِ شاهِدَيْنِ فإنْ تَزوَّجَ بِشَهَادَةِ محْدُودَيْنِ جازَ وإنْ تَزوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ

أَي: ثمَّ قَالَ بعض النَّاس الْمَذْكُور، وَأَرَادَ بِهِ إِثْبَات التَّنَاقُض فِيمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة، وَلَكِن لَا يمشي أصلا لِأَن حَالَة التَّحَمُّل لَا تشْتَرط فِيهَا الْعَدَالَة، كَمَا ذكر عَن بعض الصَّحَابَة أَنه تحمل فِي حَال كفره، ثمَّ أدّى بعد إِسْلَامه، وَذَلِكَ لِأَن الْغَرَض شهرة النِّكَاح، وَذَلِكَ حَاصِل بِالْعَدْلِ، وَغَيره عِنْد التَّحَمُّل، وَأما عِنْد الْأَدَاء فَلَا يقبل إلَاّ الْعدْل. قَوْله: (فَإِن تزوج) إِلَى آخِره أَيْضا إِثْبَات التَّنَاقُض فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تنَاقض، لِأَن عدم جَوَاز النِّكَاح بِغَيْر شَاهِدين بِالنَّصِّ، وَأما التَّزَوُّج بِشَهَادَة محدودين فقد ذكرنَا أَن المُرَاد من ذَلِك شهرة النِّكَاح، وَذَلِكَ حَاصِل بِشَهَادَة المحدودين، وَأما عدم جَوَاز التَّزَوُّج بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ فَلِأَن الأَصْل فِيهِ أَن كل من ملك الْقبُول بِنَفسِهِ انْعَقَد العقد بِحُضُورِهِ، وَمن لَا فَلَا، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا ينْعَقد بِحُضُور عَبْدَيْنِ أَو صبيين أَو مجنونين، فَمن أَيْن التَّنَاقُض يرد؟ وَمن أَيْن الِاعْتِرَاض الصَّادِر من غير تَأمل فِي دقائق الْأَشْيَاء؟

وأجازَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ والعبْدِ والأمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلالِ رَمَضانَ

أَي: أجَاز بعض النَّاس الْمشَار إِلَيْهِ. . إِلَى آخِره، وَهَذَا الِاعْتِرَاض أَيْضا لَيْسَ بِشَيْء أصلا، وَذَلِكَ لِأَن أَبَا حنيفَة أجْرى ذَلِك مجْرى الْخَبَر، وَالْخَبَر يُخَالف الشَّهَادَة فِي الْمَعْنى، لِأَن الْمخبر لَهُ دخل فِي حكم مَا شهد بِهِ، وَقَالَ بِهَذَا أَيْضا غير أبي حنيفَة، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا غلط لِأَن الشَّاهِد على هِلَال رَمَضَان لَا يَزُول عَنهُ اسْم شَاهد، وَلَا يُسمى مخبرا، فَحكمه حكم الشَّاهِد فِي الْمَعْنى لاستحقاقه ذَلِك بالإسم، وَأَيْضًا: فَإِن الشَّهَادَة على هِلَال رَمَضَان حكم من الْأَحْكَام، وَلَا يجوز أَن يقبل فِي الْأَحْكَام إلَاّ من تجوز شَهَادَته فِي كل شَيْء، وَمن جَازَت شَهَادَته فِي هِلَال رَمَضَان وَلم تجز فِي الْقَذْف فَلَيْسَ بِعدْل، وَلَا هُوَ مِمَّن يرضى، لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا تعبدنا بِمن نرضى من الشُّهَدَاء. انْتهى. قلت: هَذَا تَطْوِيل الْكَلَام بِلَا فَائِدَة، وَكَلَام مَبْنِيّ على غير معرفَة بدقائق الْأَشْيَاء، وَقَوله: الشَّاهِد على هِلَال رَمَضَان لَا يَزُول عَنهُ اسْم الشَّاهِد، وَلَا يُسمى مخبرا، تحكم زَائِد، وَعدم زَوَال اسْم الشَّاهِد عَن الشَّاهِد على هِلَال رَمَضَان لَا عَقْلِي وَلَا نقلي، فَمن ادّعى ذَلِك فَعَلَيهِ الْبَيَان وَنفي الْإِخْبَار عَن شَاهد هِلَال رَمَضَان غير صَحِيح، على مَا لَا يخفى. وَقَوله: وَحكمه حكم الشَّاهِد فِي الْمَعْنى يُنَاقض كَلَامه، الأول، لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يُسمى مخبرا ثمَّ كَيفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>