أَي: قَالَ أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان: وَحدثنَا فليح ... إِلَى آخِره، وَالْحَاصِل أَن فليح بن سُلَيْمَان روى الحَدِيث الْمَذْكُور من أَرْبَعَة مَشَايِخ. الأول: ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ الثَّانِي: هِشَام بن عُرْوَة. وَالثَّالِث: ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، شيخ مَالك. وَالرَّابِع: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد من الحَدِيث الْمَذْكُور: فِيهِ: جَوَاز رِوَايَة الحَدِيث عَن جمَاعَة، عَن كل وَاحِد قِطْعَة مُبْهمَة مِنْهُ، وَإِن كَانَ فعل الزُّهْرِيّ وَحده فقد أجمع الْمُسلمُونَ على قبُوله مِنْهُ والاحتجاج بِهِ. وَفِيه: صِحَة الْقرعَة بَين النِّسَاء، وَبِه اسْتدلَّ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وجماهير الْعلمَاء فِي الْعَمَل بِالْقُرْعَةِ: فِي الْقسم بَين الزَّوْجَات، وَفِي الْعتْق والوصايا وَالْقِسْمَة وَنَحْو ذَلِك، وَقَالَ أَبُو عبيد: عمل بهَا ثَلَاثَة من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبَاب. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: اسْتِعْمَالهَا كالإجماع وَلَا معنى لقَوْل من يردهَا، وَالْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة، إِبْطَالهَا، وَحكي عَنهُ إجازتها. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر وَغَيره: الْقيَاس تَركهَا، لَكِن عَملنَا بهَا بالآثار. انْتهى. قلت: لَيْسَ الْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة إبِْطَال الْقرعَة، وَأَبُو حنيفَة لم يقل كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ: الْقيَاس يأباها، لِأَنَّهُ تَعْلِيق لَا اسْتِحْقَاق بِخُرُوج الْقرعَة، وَذَلِكَ قمار، وَلَكِن تركنَا الْقيَاس للآثار وللتعامل الظَّاهِر من لدن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا من غير نَكِير مُنكر، وَإِنَّمَا قَالَ هَهُنَا: يفعل تطييباً لقلوبهن، والْحَدِيث مَحْمُول عَلَيْهِ، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تكن التَّسْوِيَة وَاجِبَة عَلَيْهِ فِي الْحَضَر، وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَله تفضلاً، وَقد قَالَ بعض أَصْحَابنَا: وَعند أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ إِذا أَرَادَ الرجل سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ، لَا يجوز أَخذ بَعضهنَّ بِغَيْر ذَلِك، وَالَّذِي فِي الْقَدُورِيّ: عَن مَذْهَب أبي حنيفَة: لَا حقَّ لَهُنَّ فِي حَالَة السّفر يُسَافر بِمن شَاءَ مِنْهُنَّ، وَقَالَ الأقطع فِي (شَرحه) : لِأَن الزَّوْج لَا يلْزمه اسْتِصْحَاب وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَلَا يلْزمه الْقِسْمَة فِي حَالَة السّفر، وَالْأولَى وَالْمُسْتَحب أَن يقرع لتطييب قلوبهن. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَعَن مَالك: يُسَافر بِمن شَاءَ مِنْهُنَّ بِغَيْر قرعَة، لِأَن الْقِسْمَة سَقَطت للضَّرُورَة. وَقَالَ ابْن التِّين: قَالَ مَالك: الشَّارِع يفعل ذَلِك تَطَوّعا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ أَن يعدل بَينهُنَّ. وَفِيه: عدم وجوب قَضَاء مُدَّة السّفر للنسوة المقيمات، وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ إِذا كَانَ السّفر طَويلا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَحكم السّفر الْقصير حكم الطَّوِيل على الْمَذْهَب الصَّحِيح، وَخَالف فِيهِ