مطابقته للتَّرْجَمَة فِي موضِعين. أَحدهمَا: فِي قَوْله: (والثنيا) من غير قيد بِالْإِقْرَارِ، لِأَن الثنيا فِي نَفسه أَعم من أَن يكون فِي الْإِقْرَار أَو فِي غَيره، كَمَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. وَالْآخر: فِي قَوْله: (مائَة إلَاّ وَاحِدَة) .
وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن أبي الْيَمَان أَيْضا وَقَالَ الْمُزنِيّ: وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن عمرَان بن بكار. قلت: أخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة: حَدثنِي الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين إسماً، مائَة إلَاّ وَاحِدًا، إِنَّه وتر يحب الْوتر، من حفظهَا دخل الْجنَّة) فَذكرهَا مفصلة إسماً بعد إسم. وَقَالَ فِي آخِره، قَالَ زُهَيْر: فَبَلغنَا عَن غير وَاحِد من أهل الْعلم أَن أَولهَا يفْتَتح بقوله: (لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إلَاّ الله لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد روى هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يعلم فِي كثير شَيْء من الرِّوَايَات ذكر الْأَسْمَاء إلَاّ فِي هَذَا الحَدِيث. وَقد روى آدم بن أبي إِيَاس هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَاد غير هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر فِيهِ الْأَسْمَاء، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَاد صَحِيح. وَأخرجه الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) : وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح قد خرجاه فِي الصَّحِيحَيْنِ بأسانيد صَحِيحَة، دون ذكر الْأَسَامِي فِيهِ، وَالْعلَّة فِيهِ عِنْدهمَا أَن الْوَلِيد بن مُسلم تفرد بسياقه بِطُولِهِ وَذكر الْأَسَامِي فِيهِ وَلم يطكر غَيره وَلَيْسَ هَذَا بعلة فَإِنِّي لَا أعلم خلافًا بَين أَئِمَّة الحَدِيث أَن الْوَلِيد بن مُسلم أوثق وأحفظ وَأعلم وَأجل من أبي الْيَمَان وَبشر بن شُعَيْب وَعلي بن عَيَّاش وأقرانهم من أَصْحَاب شُعَيْب. وَأخرجه ابْن حبَان أَيْضا فِي (صَحِيحه) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين إسماً) لَيْسَ فِيهِ نفي غَيرهَا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ حَدِيث ابْن مَسْعُود يرفعهُ:(أَسأَلك بِكُل اسْم هُوَ لَك سميت بِهِ نَفسك أَو أنزلته فِي كتبك أَو عَلمته أحدا من خلقك أَو استأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك) . . الحَدِيث، وَحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا:(أللهم إِنِّي أَسأَلك بِجَمِيعِ أسمائك الْحسنى كلهَا، مَا علمنَا مِنْهَا وَمَا لم نعلم، وَأَسْأَلك بِاسْمِك الْعَظِيم الْأَعْظَم الْكَبِير الْأَكْبَر من دعَاك بِهِ أَجَبْته) . قَالَت: فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبتيه أصبتيه) . وَأما وَجه التَّخْصِيص بذكرها فَلِأَنَّهَا أشهر الْأَسْمَاء وأبينها مَعَاني. قَوْله:(مائَة إِلَّا وَاحِدًا) أَي: إلَاّ إسماً وَاحِدًا. ويروى:(وَاحِدَة) أنثها ذَهَابًا إِلَى معنى التَّسْمِيَة أَو الصّفة أَو الْكَلِمَة. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة هَذَا التَّأْكِيد. قلت: قيل: إِن معرفَة أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته توقيفية تعلم من طَرِيق الْوَحْي وَالسّنة، وَلم يكن لنا أَن نتصرف فِيهَا بِمَا لم يهتد إِلَيْهِ مبلغ علمنَا ومنتهى عقولنا، وَقد منعنَا عَن إِطْلَاق مَا لم يرد بِهِ التَّوْقِيف فِي ذَلِك، وَإِن جوزه الْعقل وَحكم بِهِ الْقيَاس كَانَ الْخَطَأ فِي ذَلِك غير هَين، والمخطيء فِيهِ غير مَعْذُور، وَالنُّقْصَان عَنهُ كالزيادة فِيهِ غير مرضِي، وَكَانَ الِاحْتِمَال فِي رسم الْخط وَاقعا باشتباه تِسْعَة وَتِسْعين فِي زلَّة الْكَاتِب وهفوة الْقَلَم بسبعة وَتِسْعين أَو سَبْعَة وَسبعين أَو تِسْعَة وَسبعين، فينشأ الِاخْتِلَاف فِي المسموع من المسطور، فأكده بِهِ حسماً لمادة الْخلاف، وإرشاداً إِلَى الِاحْتِيَاط فِي هَذَا الْبَاب. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي الِاسْتِثْنَاء؟ قلت: قيل: الْفَرد أفضل من الزَّوْج، وَلذَلِك (جَاءَ: أَن الله وتر يحب الْوتر) ، ومنتهى الْإِفْرَاد من الْمَرَاتِب من غير تكْرَار تِسْعَة وَتسْعُونَ، لِأَن مائَة وَوَاحِدَة يتَكَرَّر فِيهِ الْوَاحِد، وَقيل: الْكَمَال فِي الْعدَد من الْمِائَة، لِأَن الْأَعْدَاد كلهَا ثَلَاثَة أَجنَاس: آحَاد وعشران ومآت، لِأَن الألوف ابْتِدَاء آحَاد آخر بدل عشرات الألوف وآحادها، فأسماء الله تَعَالَى مائَة، وَقد اسْتَأْثر الله مِنْهَا بِوَاحِد، وَهُوَ الِاسْم الْأَعْظَم لم يطلع عَلَيْهِ غَيره، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مائَة، لَكِن وَاحِد مِنْهَا عِنْد الله. قَوْله:(من أحصاها) ، قَالَ الْخطابِيّ: الإحصاء يحْتَمل وُجُوهًا: أظهرها: العدّ لَهَا حَتَّى يستوفيها، أَي: لَا يقْتَصر على بَعْضهَا، بل يثني على الله تَعَالَى بجميعها. وَثَانِيها: الإطاقة، أَي: من أطَاق الْقيام بِحَقِّهَا وَالْعَمَل بمقتضاها، وَهُوَ أَن يعْتَبر مَعَانِيهَا وَيلْزم نَفسه بواجبها، فَإِذا قَالَ: الرَّزَّاق ألزم ووثق بالرزق، وهلم جراً. وَثَالِثهَا: الْعقل، أَي: من عقلهَا وأحاط علما بمعانيها من قَوْلهم: فلَان ذُو حَصَاة، أَي: ذُو عقل، وَقيل: أحصاها، أَي: عرفهَا، لِأَن الْعَارِف بهَا لَا يكون إلَاّ مُؤمنا، وَالْمُؤمن يدْخل الْجنَّة لَا محَالة. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَعَلَّه يكون المُرَاد بقوله: (من أحصاها) من قَرَأَ الْقُرْآن حَتَّى يختمه فيستوفي، أَي: من حفظ الْقُرْآن الْعَزِيز دخل الْجنَّة، لِأَن جَمِيع الْأَسْمَاء فِيهِ. وَقيل: من أحصاها، أَي: حفظهَا، هَكَذَا فسره البُخَارِيّ