للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجع اشْتَدَّ بِي، وَله فِي الْهِجْرَة: من وجع أشفيت مِنْهُ على الْمَوْت. وَاتفقَ أَصْحَاب الزُّهْرِيّ على أَن ذَلِك كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع إلَاّ ابْن عُيَيْنَة، قَالَ: فِي فتح مَكَّة، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَغَيره من طَرِيقه وَاتفقَ الْحفاظ على أَنه وهم فِيهِ، وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي الْفَرَائِض من طَرِيقه، فَقَالَ: (بِمَكَّة) ، وَلم يذكر الْفَتْح، وَيُؤَيّد كَلَام ابْن عُيَيْنَة مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ) وَابْن سعد من حَدِيث عَمْرو بن الْقَارِي: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قدم فخلف سَعْدا مَرِيضا حَيْثُ خرج إِلَى حنين، فَلَمَّا قدم من الْجِعِرَّانَة مُعْتَمِرًا دخل عَلَيْهِ وَهُوَ مغلوب، فَقَالَ: يَا رَسُول الله {إِن لي مَالا وَإِنِّي أورث كَلَالَة، أفأوصي بِمَا لي ... الحَدِيث، وَفِيه: قلت: يَا رَسُول الله} أميّت أَنا بِالدَّار الَّتِي خرجت مِنْهَا مُهَاجرا؟ قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن يرفعك الله حَتَّى ينْتَفع بك أَقوام ... الحَدِيث. فَإِن قلت: بَين الرِّوَايَتَيْنِ فيهمَا مَا فِيهِ؟ قلت: يُمكن التَّوْفِيق بَينهمَا بِأَن يكون ذَلِك وَقع مرَّتَيْنِ: مرّة عَام الْفَتْح، وَمرَّة عَام حجَّة الْوَدَاع فَفِي الأولى: لم يكن لَهُ وَارِث من الْأَوْلَاد أصلا. وَفِي الثَّانِيَة: كَانَت لَهُ بنت فَقَط. قَوْله: (وَهُوَ يكره أَن يَمُوت بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجر مِنْهَا) ، قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ يكره، أَي: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ كَلَام سعد يَحْكِي كَلَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو هُوَ كَلَام عَام يَحْكِي حَال وَلَده، وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: (وَهُوَ يكره أَن يَمُوت بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجر مِنْهَا) ، يحْتَمل أَن تكون الْجُمْلَة حَالا من الْمَفْعُول وَهُوَ سعد فَفِيهِ الْتِفَات، لِأَن السِّيَاق يَقْتَضِي أَن يَقُول: وَأَنا أكره ... انْتهى. قلت: هَذَا لَا يَخْلُو من التعسف، وَالظَّاهِر من التَّرْكِيب أَن الْجُمْلَة حَال من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالضَّمِير فِي: يكره، يرجع إِلَيْهِ، وَالَّذِي فِي: يَمُوت، يرجع إِلَى سعد، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن لَا يكون سعد كَارِهًا أَيْضا، لِأَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا كَانَ كَارِهًا لذَلِك فكراهة سعد بِالطَّرِيقِ الأولى، وَدلّ على كَرَاهَته مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن ثَلَاثَة من ولد سعد عَن سعد، بِلَفْظ: (فَقَالَ: يَا رَسُول الله {خشيت أَن أَمُوت بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرت مِنْهَا، كَمَا مَاتَ سعد بن خَوْلَة) . قَوْله: (قَالَ: يرحم الله ابْن عفراء) ، كَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يرحم الله سعد بن عفراء، ثَلَاث مَرَّات) . قَالَ الدَّاودِيّ: قَوْله: (ابْن عفراء) غير مَحْفُوظ، وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي: هُوَ وهم، وَالْمَعْرُوف: ابْن خَوْلَة. قَالَ: وَلَعَلَّ الْوَهم من سعد بن إِبْرَاهِيم، فَإِن الزُّهْرِيّ أحفظ مِنْهُ. وَقَالَ فِيهِ: سعد ابْن خَوْلَة، يُشِير بذلك إِلَى مَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق جرير بن يزِيد عَن عَامر بن سعد: لَكِن البائس سعد بن خَوْلَة مَاتَ فِي الأَرْض الَّتِي هَاجر مِنْهَا. قلت: البائس اسْم من بئس يبأس بؤساً وبأساً: إِذا خضع وافتقر واشتدت حَاجته، وَقَالَ التَّيْمِيّ: يحْتَمل أَن يكون لأمه إسمان: خَوْلَة وعفراء، وَقَالَ غَيره: وَيحْتَمل أَن يكون أَحدهمَا إسماً وَالْآخر لقباً، أَو أَحدهمَا اسْم أمه وَالْآخر اسْم أَبِيه أَو اسْم جدة لَهُ، وَقيل فِي خَوْلَة: خوليّ، بِكَسْر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء وَالْوَاو سَاكِنة بِلَا خلاف، وَأغْرب ابْن التِّين فَحكى عَن الْقَابِسِيّ فتحهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة فِي الْفَرَائِض، قَالَ سُفْيَان: وَسعد بن خَوْلَة رجل من بني عَامر بن لؤَي، وَذكر ابْن إِسْحَاق: أَنه كَانَ حليفاً لَهُم، وَقيل: كَانَ من الْفرس الَّذين نزلُوا الْيمن. قَوْله: (قلت: يَا رَسُول الله} أوصِي بِمَالي كُله؟) وَفِي رِوَايَة عَائِشَة بنت سعد عَن أَبِيهَا فِي الطِّبّ: أفأتصدق بِثُلثي مَالِي؟ وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ. فَإِن قلت: لفظ: أَتصدق، يحْتَمل التَّنْجِيز وَالتَّعْلِيق بِخِلَاف لفظ: أوصِي. قلت: لما كَانَ متحداً حمل لفظ: أَتصدق، على التَّعْلِيق جمعا بَين الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِن قلت: مَا وَجه الِاخْتِلَاف فِي السُّؤَال؟ قلت: كَأَنَّهُ سَأَلَ أَولا عَن الْكل، ثمَّ سَأَلَ عَن الثُّلثَيْنِ، ثمَّ سَأَلَ عَن النّصْف، ثمَّ سَأَلَ عَن الثُّلُث، وَقد وَقع مَجْمُوع ذَلِك فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث عبيد الله بن عِيَاض عَن أَبِيه عَن جده عَمْرو ابْن عبد الْقَارِي: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على سعد بن مَالك يَوْم الْفَتْح ... الحَدِيث، وَفِيه: فَقَالَ سعد: يَا رَسُول الله! (إِن مَالِي كثير وإنني أورث كَلَالَة، أفأتصدق بِمَالي كُله؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أفأتصدق بثلثيه؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أفأتصدق بشطره؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أفأتصدق بِثُلثِهِ؟ قَالَ: نعم، وَذَلِكَ كثير) ، قَوْله: (قلت فَالشَّطْر) ، أَي: النّصْف، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ بِالْجَرِّ أَو الرّفْع؟ قلت: وَجه الْجَرّ أَن يكون مَعْطُوفًا على قَوْله: بِمَالي كُله، وَوجه الرّفْع على تَقْدِير حذف الرافع، تَقْدِيره: أفيجوز الشّطْر؟ وَنسب إِلَى الزَّمَخْشَرِيّ جَوَاز النصب على تَقْدِير: أعيَّن الشطرَ أَو أسمي أَو نَحْو ذَلِك. قَوْله: (قلت: الثُّلُث؟) يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، وَفِي بعض النّسخ: فَالثُّلُث،

<<  <  ج: ص:  >  >>