للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِقْرَار الْمَرِيض بِالدّينِ مُطلقًا، سَوَاء كَانَ الْمقر لَهُ وَارِثا أَو جنبياً. وَقَالَ بَعضهم: وَجه الدّلَالَة أَنه، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، سوَّى بَين الْوَصِيَّة وَالدّين فِي تقديمهما على الْمِيرَاث، وَلم يفصل فَخرجت الْوَصِيَّة للْوَارِث بِالدَّلِيلِ وَبَقِي الْإِقْرَار بِالدّينِ على حَاله. انْتهى. قلت: كَمَا خرجت الْوَصِيَّة للْوَارِث للدليل، وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا وَصِيَّة لوَارث) ، فَكَذَلِك خرج الْإِقْرَار بِالدّينِ للْوَارِث بقوله (وَلَا إِقْرَار لَهُ بدين) ، وَقد تقدم. وَقَوله: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} (النِّسَاء: ٢٢) . قِطْعَة من قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} إِلَى قَوْله: {إِن الله كَانَ عليماً حكيماً} (النِّسَاء: ٢٢) . هَذِه الْآيَة وَالَّتِي بعْدهَا، وَهُوَ قَوْله: {وَلكم نصف مَا ترك أزواجكم} إِلَى قَوْله: {وَالله عليم حَكِيم} (النِّسَاء: ٦٢) . وَالْآيَة الَّتِي هِيَ خَاتِمَة هَذِه السُّورَة، أَعنِي: سُورَة النِّسَاء. وَهُوَ قَوْله: {يستفتونك قل الله يفتيكم ... } (النِّسَاء: ٦٧١) . إِلَى آخر الْآيَة، آيَات علم الْفَرَائِض، وَهُوَ مستنبط من هَذِه الْآيَات وَمن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك مِمَّا هِيَ كالتفسير لذَلِك.

ويُذْكَرُ أنَّ شُرَيْحَاً وعُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ وطاوُوساً وعَطَاءٍ وابنَ أُذَيْنَةَ أجَازُوا إقْرَارَ المَرِيضِ بِدَيْنٍ

ذكر عَنْهُم مَا ذكره بِصِيغَة التمريض، لِأَنَّهُ لم يجْزم بِصِحَّة النَّقْل عَنْهُم لضعف الْإِسْنَاد إِلَى بَعضهم. بَيَانه أَن أثر شُرَيْح ذكره ابْن أبي شيبَة عَنهُ بِلَفْظ: إِذا أقرّ فِي مرض لوَارث بدين لم يجز إلَاّ بِبَيِّنَة، وَإِذا أقرّ لوَارث جَازَ. وَفِي إِسْنَاده جَابر الْجعْفِيّ وَهُوَ ضَعِيف، وَكَذَلِكَ أخرج أثر طَاوُوس بِلَفْظ: إِذا أقرّ لوَارث جَازَ، وَفِي إِسْنَاده لَيْث بن أبي سليم وَهُوَ ضَعِيف، وَكَذَلِكَ أثر عَطاء أخرجه ابْن أبي شيبَة بِمثلِهِ، وَكَذَلِكَ أثر ابْن أذينة أخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق قَتَادَة عَنهُ بِلَفْظ: فِي الرجل يقرَّ لوَارث بدين، قَالَ: يجوز. وَابْن أذينة، بِضَم الْهمزَة وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون: واسْمه عبد الرَّحْمَن، قَاضِي الْبَصْرَة، من التَّابِعين الثِّقَات، مَاتَ سنة خمس وَتِسْعين من الْهِجْرَة.

وقالَ الحَسَنُ أحَقُّ مَا يَصَدَّقُ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وأوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ

الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وأثره رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي (مُسْنده) من طَرِيق قَتَادَة، قَالَ: قَالَ ابْن سِيرِين: لَا يجوز إِقْرَار لوَارث. قَالَ: وَقَالَ الْحسن: أَحَق مَا جَازَ عَلَيْهِ عِنْد مَوته أول يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة وَآخر يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا. قَوْله: مَا يصدق على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّصْدِيق، ويروى: مَا تصدق على وزن تفعل على صِيغَة الْمَاضِي من التَّصَدُّق. وَقَالَ الْكرْمَانِي: آخر، بِالنّصب وبالرفع أَي أَحَق زمَان يصدق فِيهِ الرجل فِي أَحْوَاله آخر عمره، وَالْمَقْصُود: أَن إِقْرَار الْمَرِيض فِي مرض مَوته حقيق بِأَن يصدق بِهِ وَيحكم بإنفاذه قلت: وَجه النصب بِتَقْدِير: فِي آخر يَوْم، وَوجه الرّفْع على أَنه خبر لقَوْله: أَحَق.

وَقَالَ إبْرَاهِيمُ والحَكَمُ إذَا أبْرَأ الوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِىءَ

إِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْحكم، بِفتْحَتَيْنِ: ابْن عُيَيْنَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الثَّوْريّ عَن ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم فِي الْمَرِيض: إِذا أَبْرَأ الْوَارِث من الدّين برىء، وَعَن مطرف عَن الحكم قَالَ مثله. قَوْله: (إِذا أَبْرَأ) ، أَي: المريضُ مرض الْمَوْت وارثَه من الدّين الَّذِي عَلَيْهِ بَرِىءَ الوارثُ.

وأوْصاى رافِعُ بنُ خَدِيجٍ أنْ لَا تُكْشَفَ أمرَأتُهُ الفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ علَيْهِ بابُها

رَافع ابْن خديج بن رَافع الأوسي الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ أَبُو عبد الله، شهد أحدا وَالْخَنْدَق، وخديج، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره جِيم. قَوْله: (الفزارية) ، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء. قَوْله: (عَمَّا أُغلق عَلَيْهِ بَابهَا) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: عَن مَال أغلق عَلَيْهِ بَابهَا. ويروى: (أغلق عَلَيْهَا) ، ويروى: أغلقت عَلَيْهِ بَابهَا. و: أغلقت، على صِيغَة الْمَبْنِيّ للْفَاعِل، وَلم أرَ أحدا من الشُّرَّاح حرر هَذَا الْموضع وَلَا ذكر مَا الْمَقْصُود مِنْهُ، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد مِنْهُ أَن الْمَرْأَة بعد موت زَوجهَا لَا يتعَرَّضُ لَهَا، فَإِن جَمِيع مَا فِي بَيته لَهَا، وَإِن لم يشْهد لَهَا زَوجهَا بذلك، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى الْإِشْهَاد وَالْإِقْرَار إِذا علم أَنه تزَوجهَا فقيرة وَأَن مَا فِي بَيتهَا من مَتَاع الرِّجَال، وَبِه قَالَ مَالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>