للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالسَّلَام، جمع بَين الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة بِحرف الْجمع، وَالْجمع بِحرف الْجمع كالجمع بِلَفْظ الْجمع، وَوُجُود الْمَجْمُوع هُوَ الْعَلامَة لوُقُوع السَّاعَة، وكل مِنْهَا جُزْء الْعلَّة، فحينئذٍ تَقْيِيد الشّرْب بِالْكَثْرَةِ لَا يُفِيد. وَقد قُلْنَا: إِن مَا ورد من قَوْله: وَيكثر شرب الْخمر، لَا يُنَافِي كَون مُطلق الشّرْب جُزْء عِلّة، وكل من الشّرْب الْمُطلق وَالشرب الْمُقَيد بِالْكَثْرَةِ والشهرة جُزْء عِلّة لِأَن الْعلَّة الدَّالَّة على وُقُوع الحكم هِيَ الْعلَّة المركبة من وجود الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة. ثمَّ الْخمر فِي اللُّغَة من التخمير، وَهُوَ: التغطية. سميت بِهِ لِأَنَّهَا تغطي الْعقل. وَمِنْه الْخمار للْمَرْأَة، وَفِي (الْعباب) : يُقَال: خمرة وخمر وخمور. مِثَال تَمْرَة وتمر وتمور، وَيُقَال: خمرة صرف، وَفِي الحَدِيث: (الْخمْرَة مَا خامر الْعقل) . وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سميت الْخمْرَة خمرًا لِأَنَّهَا تركت فَاخْتَمَرت، واختمارها تَغْيِير رِيحهَا، وَعند الْفُقَهَاء: الْخمر هِيَ النيء من مَاء الْعِنَب إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد، وَيلْحق بهَا غَيرهَا من الْأَشْرِبَة إِذا أسكر. قَوْله: (وَيظْهر الزِّنَا) أَي: يفشو وينتشر، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (ويفشو الزِّنَا) ، وَالزِّنَا: يمد وَيقصر، وَالْقصر لأهل الْحجاز قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تقربُوا الزِّنَا} (الْإِسْرَاء: ٣٢) وَالْمدّ لأهل نجد، وَقد زنى يَزْنِي وَهُوَ من النواقص اليائية، وَالنِّسْبَة إِلَى الْمَقْصُور: زنوي، وَإِلَى المدود: زنائي.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (أَن) : حرف من الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ يرفع وَينصب فَقَوله: (أَن يرفع الْعلم) فِي مَحل النصب إسمها، و: أَن، مَصْدَرِيَّة تَقْرِيره: رفع الْعلم. وخبرها قَوْله: (من أَشْرَاط السَّاعَة) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يرفع الْعلم) ، من غير أَن فِي أَوله، فعلى هَذِه الرِّوَايَة يكون مَحل (أَن يرفع الْعلم) الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَخَبره مقدما (من أَشْرَاط السَّاعَة) . وَقَالَ بَعضهم: وَسَقَطت: أَن، من رِوَايَة النَّسَائِيّ حَيْثُ أخرجه عَن عمرَان شيخ البُخَارِيّ. قلت: هَذَا غَفلَة وسهو، لِأَن شيخ البُخَارِيّ هُوَ عمرَان بن ميسرَة، وَشَيخ النَّسَائِيّ هُوَ عمرَان بن مُوسَى. قَوْله: (وَيثبت) بِالنّصب عطفا على: (أَن يرفع) ، وَكَذَلِكَ: (وَيشْرب وَيظْهر) منصوبان بالْعَطْف على الْمَنْصُوب، و: أَن، مقدرَة فِي الْجمع، و: يرفع وَيشْرب، مَجْهُولَانِ، و: وَيثبت وَيظْهر، معلومان.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: (أَن يرفع الْعلم) فِيهِ إِسْنَاد مجازي، وَالْمرَاد: رَفعه بِمَوْت حَملته وَقبض الْعلمَاء، وَلَيْسَ المُرَاد محوه من صُدُور الْحفاظ وَقُلُوب الْعلمَاء، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي بَاب: كَيفَ يقبض الْعلم؟ عَن عبد اللَّه بن عمر، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (إِن الله عز وَجل لَا يقبض الْعلم انتزاعاً ينتزعه من الْعباد، وَلَكِن يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم يبْق عَالما اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فيسألوا، فافتوا بِغَيْر علم فضلوا وأضلوا) . وَبَين بِهَذَا الحَدِيث أَن المُرَاد بِرَفْع الْعلم هُنَا قبض أَهله وهم الْعلمَاء لَا محوه من الصُّدُور، لَكِن بِمَوْت أَهله واتخاذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فيحكمون فِي دين الله تَعَالَى برأيهم ويفتون بجهلهم، قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَقد وجد ذَلِك فِي زَمَاننَا، كَمَا أخبر بِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: قلت: هَذَا قَوْله مَعَ توفر الْعلمَاء فِي زَمَانه، فَكيف بزماننا؟ قَالَ العَبْد الضَّعِيف: هَذَا قَوْله مَعَ كَثْرَة الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة والمحدثين الْكِبَار فِي زَمَانه، فَكيف بزماننا الَّذِي خلت الْبِلَاد عَنْهُم، وتصدرت الْجُهَّال بالإفتاء والتعين فِي الْمجَالِس والتدريس فِي الْمدَارِس؟ فنسأل السَّلامَة والعافية.

٨١ - حدّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ: حدّثنا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ قالَ: لأحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثاً لَا يُحَدِّثُكُمْ أحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (منْ أشْراطِ السَّاعَةِ أنْ يَقلَّ العِلْمُ، ويَظْهَرَ الجَهلُ، ويَظْهَرَ الزِّنا، وتَكْثُرَ النِّساءُ ويَقِلَّ الرِّجالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسينَ امْرَأةً القَيِّمُ الوَاحدُ) ..

مُطَابقَة هَذَا أَيْضا للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَفِي التَّرْجَمَة: رفع الْعلم، من لفظ الحَدِيث الأول، وفيهَا: ظُهُور الْجَهْل من لفظ هَذَا الحَدِيث.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة، وَالْكل قد ذكرُوا غير مرّة، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَالْكل بصريون، وَبِهَذَا التَّرْتِيب وَقع فِي بَاب الْإِيمَان: (أَن يحب لاخيه) . وَفِي إِسْنَاده تحديث وعنعنة وَسَمَاع. قَوْله: (عَن أنس) ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: عَن أنس بن مَالك.

بَيَان من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْقدر عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن شُعْبَة عَنهُ بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن عَمْرو بن عَليّ وَأبي مُوسَى، وَابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>