للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْبدن. وغصونه. قَوْله: (وَقتل النَّفس) أَي: الثَّالِث: من السَّبع الموبقات: قتل النَّفس. قَوْله: (وَأكل الرِّبَا) أَي: الرَّابِع: أكل الرِّبَا، وَهُوَ فضل مَال بِلَا عوض فِي مُعَاوضَة مَال بِمَال، كَمَا عرف فِي الْفِقْه. قَوْله: (وَأكل مَال الْيَتِيم) ، أَي: الْخَامِس: أكل مَال الْيَتِيم، وَهُوَ الْمُنْفَرد فِي اللُّغَة، وَهُوَ: من مَاتَ أَبوهُ وَهُوَ مَا دون الْبلُوغ، وَفِي الْبَهَائِم: مَا مَاتَت أمه. قَوْله: (والتولي يَوْم الزَّحْف) أَي: السَّادِس: الْفِرَار عَن الْقِتَال يَوْم ازدحام الطَّائِفَتَيْنِ، وَيُقَال: التولي الْإِعْرَاض عَن الْحَرْب والفرار من الْكفَّار إِذا كَانَ بِإِزَاءِ كل مُسلم كَافِرَانِ، وَإِن كَانَ بِإِزَاءِ كل مُسلم أَكثر من كَافِرين يجوز الْفِرَار، والزحف الْجَمَاعَة الَّذين يزحفون إِلَى الْعَدو أَي يمسون إِلَيْهِم بِمَشَقَّة، من زحف الصَّبِي إِذا دب على أسته. قَوْله: (وَقذف الْمُحْصنَات) ، أَي: السَّابِع: قذف الْمُحْصنَات، الْقَذْف الرَّمْي الْبعيد، استعير للشتم وَالْعَيْب والبهتان كَمَا استعير للرمي، وَالْمُحصنَات جمع مُحصنَة، بِفَتْح الصَّاد، اسْم مفعول أَي: الَّتِي أحصنها الله تَعَالَى وحفظها من الزِّنَا، وبكسرها، اسْم فَاعل أَي: الَّتِي حفظت فرجهَا من الزِّنَا. قَوْله: (الْمُؤْمِنَات) ، احْتَرز بِهِ عَن قذف الكافرات فَإِن قذفهن لَيْسَ من الْكَبَائِر وَإِن كَانَت ذِمِّيَّة فقذفها من الصَّغَائِر لَا يُوجب الْحَد وَفِي قذفه الْأمة الْمسلمَة التَّعْزِير دون الْحَد. قَوْله: (الْغَافِلَات) ، كِنَايَة عَن البريئات لِأَن البرىء غافل عَمَّا بهت بِهِ من الزِّنَا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: ذكر السَّبع، وَلَا يُنَافِي أَن لَا تكون كَبِيرَة إلَاّ هَذِه، فقد ذكر فِي غير هَذَا الْموضع: قَول الزُّور، وزنا الرجل بحليلة جَاره وعقوق الْوَالِدين، وَالْيَمِين الْغمُوس، وَاسْتِحْلَال بَيت الله، ومسك امْرَأَة مُحصنَة لمن يَزْنِي بهَا، ومسك مُسلم لمن يقْتله، وَدلّ الْكفَّار على عورات الْمُسلمين مَعَ علمه أَنهم يستأصلون بدلالته ويُسبون ويغنمون، وَالْحكم بِغَيْر حق، والإصرار على الصَّغِيرَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: وأكبرها بعد الْإِشْرَاك: الْقَتْل، وَادّعى بَعضهم أَن الْكَبَائِر سبع، كَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ بَعضهم: إِحْدَى عشرَة، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِلَى السّبْعين أقرب، وروى عَنهُ أَن سَبْعمِائة، وَالتَّحْقِيق هُنَا أَن التَّنْصِيص على عدد لَا يُنَافِي أَكثر من ذَلِك، وَأما تعْيين السَّبع هُنَا فلاحتمال أَن يكون أعلم الشَّارِع بهَا فِي ذَلِك الْوَقْت، ثمَّ أوحى إِلَيْهِ بعد ذَلِك غَيرهَا، أَو يكون السَّبع هِيَ الَّتِي دعت إِلَيْهَا الْحَاجة فِي ذَلِك الْوَقْت، ثمَّ أوحى إِلَيْهِ بعد ذَلِك غَيرهَا، أَو يكون السَّبع هِيَ الَّتِي دعت إِلَيْهَا الْحَاجة فِي ذَلِك الْوَقْت، وَكَذَلِكَ القَوْل فِي كل حَدِيث خص عددا من الْكَبَائِر. وَفِيه: أَن الموبقات الَّتِي هِيَ الْكَبَائِر لَا بُد فِي مقابلتها الصَّغَائِر، فَلَا بُد من الْفرق بَينهمَا، فَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام: إِذا أردْت معرفَة الْفرق بَين الصَّغِيرَة والكبيرة فاعرض مفْسدَة الذَّنب على مفاسد الْكَبَائِر الْمَنْصُوص عَلَيْهَا، فَإِذا نقصت عَن أقل مفاسد الْكَبَائِر فَهِيَ من الصَّغَائِر، وَإِن ساوت أدنى مفاسد الْكَبَائِر أَو أربت عَلَيْهِ فَهِيَ من الْكَبَائِر، فَمن شتم الرب، عز وَجل، أَو رَسُوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو استهان بالرسل أَو كذب وَاحِدًا مِنْهُم أَو ضمح الْكَعْبَة المشرفة بالعذرة أَو ألْقى الْمُصحف فِي القاذورات فَهِيَ من أكبر الْكَبَائِر، وَلم يُصَرح الشَّرْع بذكرها، وَقَالَ بَعضهم: كل ذَنْب قرن بِهِ وَبِه لأعيد أَو حد أَو لعن فَهُوَ كَبِيرَة، وَرُوِيَ هَذَا عَن الْحسن أَيْضا، وَقيل: الْكَبِيرَة مَا يشْعر بتهاون مرتكبها فِي دينه. وَعَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: الْكَبَائِر جَمِيع مَا نهى الله عَنهُ من أول سُورَة النِّسَاء إِلَى قَوْله: {إِن تجتنبوا كباشر مَا تنهون عَنهُ} (النِّسَاء:) . وَعَن ابْن عَبَّاس: كل مَا نهى الله عَنهُ فَهِيَ كَبِيرَة، وَبِه قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني وَغَيره، وَعَن عِيَاض: هَذَا مَذْهَب الْمُحَقِّقين، لِأَن كل مُخَالفَة فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جلال الله تَعَالَى كَبِيرَة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَمَا أَظُنهُ صَحِيحا عَنهُ، أَي: عَن ابْن عَبَّاس، يَعْنِي: عدم التَّفْرِقَة بَين الصَّغِيرَة والكبيرة، فَإِنَّهُ قد فرق بَينهمَا فِي قَوْله: {أَن تجتنبوا كَبَائِر} (النِّسَاء: ١٣) . {وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إلَاّ اللمم} (النَّجْم: ٢٣) . فَجعل من المنهيات كَبَائِر وصغائر، وَفرق بَينهمَا فِي الحكم لما جعل تَكْفِير السَّيِّئَات فِي الْآيَة، مَشْرُوطًا باجتناب الْكَبَائِر، وَاسْتثنى اللمم من الْكَبَائِر وَالْفَوَاحِش، فَكيف يخفي مثل هَذَا الْفرق على حَبر الْقُرْآن؟ فَالرِّوَايَة عَنهُ لَا تصح، أَو: هِيَ ضَعِيفَة، وَالْمَشْهُور انقسام الْمعاصِي إِلَى صغائر وكبائر، وَادّعى بَعضهم أَنَّهَا كلهَا كَبَائِر. وَفِيه: السحر، وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع:

الأول: إِن السحر لَهُ حَقِيقَة، وَذكر الْوَزير أَبُو المظفر يحيى بن مُحَمَّد بن هُبَيْرَة فِي كِتَابه (الْأَشْرَاف على مَذَاهِب الْأَشْرَاف) : أَجمعُوا على أَن السحر لَهُ حَقِيقَة إلَاّ أَبَا حنيفَة. فَإِنَّهُ قَالَ: لَا حَقِيقَة لَهُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَعِنْدنَا أَن السحر حق، وَله حَقِيقَة يخلق الله تَعَالَى عِنْده مَا شَاءَ، خلافًا للمعتزلة وَأبي إِسْحَاق الإسفرايني من الشَّافِعِيَّة، حَيْثُ قَالُوا: إِنَّه تمويه وتخيل. قَالَ: وَمن السحر

<<  <  ج: ص:  >  >>