ابْن سعيد عَن أبي الزبير الْمَكِّيّ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أُصِيب إخْوَانكُمْ بِأحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من أثمارها، وتأوي إِلَى قناديل من ذهب فِي ظلّ الْعَرْش، فَلَمَّا وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وَحسن مقيلهم، قَالُوا: يَا لَيْت إِخْوَاننَا يعلمُونَ مَا صنع الله لنا لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد، وَلَا ينكلُوا عَن الْحَرْب، فَقَالَ الله تَعَالَى: أَنا أبلغهم عَنْكُم، فَأنْزل الله عز وَجل: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} (آل عمرَان: ٩٧١) . وَمَا بعْدهَا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وروى الْحَاكِم أَيْضا فِي (مُسْتَدْركه) من حَدِيث أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي حَمْزَة وَأَصْحَابه {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا} (آل عمرَان: ٩٧١) . الْآيَة، وَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَالربيع وَالضَّحَّاك، وَقَالَ أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه، بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ بن عبد الْمَدِينِيّ عَن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن كثير بن بشر بن الْفَاكِه الْأنْصَارِيّ عَن طَلْحَة بن خرَاش بن عبد الرَّحْمَن بن خرَاش بن الصمَّة الْأنْصَارِيّ، قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله، قَالَ: نظر إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَقَالَ: يَا جَابر {مَالِي أَرَاك مهتماً؟ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله} اسْتشْهد أبي وَترك عَلَيْهِ دينا وعيالاً. قَالَ: أَلا أخْبرك؟ مَا كلم الله أحدا قطّ إلَاّ من وَرَاء حجاب، وَإنَّهُ كلم أَبَاك كفاحاً. قَالَ عَليّ: الكفاح المواجهة، قَالَ: سلني أعطك. قَالَ: أَسأَلك أَن أُرد إِلَى الدُّنْيَا فأقتل فِيك ثَانِيَة. فَقَالَ الرب، عز وَجل: إِنَّه سبق مني أَنهم إِلَيْهَا لَا يرجعُونَ. قَالَ: أَي رب، فأبلغ من ورائي، فَأنْزل الله عز وَجل: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} (آل عمرَان: ٩٧١) . حَتَّى أنفد الْآيَة. وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنَا مُحَمَّد بن مَرْزُوق حَدثنَا عَمْرو بن يُونُس عَن عِكْرِمَة حَدثنَا إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة حَدثنِي أنس بن مَالك فِي أَصْحَاب النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين أرسلهم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل بِئْر مَعُونَة الحَدِيث، مطولا. وَفِي آخِره: قَالَ إِسْحَاق: حَدثنِي أنس بن مَالك أَن الله أنزل فيهم قُرْآنًا بلغُوا عَنَّا قَومنَا أَنا قد لَقينَا رَبنَا، فَرضِي عَنَّا ورضينا عَنهُ، ثمَّ نسخت بعد مَا قرأناه زَمَانا، وَأنزل الله: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله ... } (آل عمرَان: ٩٧١) . الْآيَة، وَقَالَ مقَاتل: نزلت فِي قَتْلَى بدر، وَكَانُوا أَرْبَعَة عشر شَهِيدا. قَوْله: (فرحين) ، بِمَعْنى: فارحين، وَيجوز أَن يكون حَالا من الضَّمِير فِي: يرْزقُونَ، وَأَن يكون صفة: لأحياء. قَوْله: (من فَضله) أَي: من رزقه. قَوْله: (ويستبشرون) ، عطف على فرحين من الاستبشار، وَهُوَ السرُور بالبشرة. قَوْله: {بالذين لم يلْحقُوا بهم من خَلفهم} (آل عمرَان: ٠٨١) . أَي: يفرحون بإخوانهم الَّذين فارقوهم أَحيَاء يرجون لَهُم الشَّهَادَة، يَقُولُونَ إِن قتلوا نالوا مَا نلنا من الْفضل. وَقَالَ السّديّ: يُؤْتى الشَّهِيد بِكِتَاب فِيهِ: يقدم عَلَيْك فلَان يَوْم كَذَا وَكَذَا، وَيقدم عَلَيْك فلَان يَوْم كَذَا وَكَذَا، فيسر بذلك كَمَا يسر أهل الدُّنْيَا بقدوم غائبهم. قَوْله: {أَن لَا خوف عَلَيْهِم} (آل عمرَان: ٠٨١) . بدل من الَّذِي يَعْنِي: لَا خوف عَلَيْهِم فِيمَن خلفوه من ذُرِّيتهمْ، {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} (آل عمرَان: ٠٨١) . على مَا خلفوا من أَمْوَالهم. وَقيل: لَا خوف فِيمَا يقدمُونَ عَلَيْهِ وَلَا يَحْزَنُونَ على مُفَارقَة الدُّنْيَا. قَوْله: {يستبشرون} كَلَام مُسْتَأْنف كرر للتوكيد وَالنعْمَة فضل من الله لَا أَنه وَاجِب عَلَيْهِ. قَوْله: (وَأَن الله) ، بِالْفَتْح عطفا على النِّعْمَة، وَالْفضل، وبالكسر على الِابْتِدَاء وعَلى أَن الْجُمْلَة اعتراضية، وَهِي قِرَاءَة الْكسَائي. وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم: هَذِه الْآيَة جمعت الْمُؤمنِينَ كلهم سَوَاء الشُّهَدَاء وَغَيرهم، وَقل مَا ذكر الله فضلا ذكر بِهِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَوَاب مَا أَعْطَاهُم إلَاّ ذكر مَا أعْطى الْمُؤمنِينَ من بعدهمْ.
٤١٨٢ - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ دَعَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الَّذِينَ قَتَلُوا أصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ غَدَاةً علَى رَعْلٍ وذكْوَانَ وعُصَيَّةَ عَصَتِ الله ورَسُولَهُ قَالَ أنَسٌ أُنْزِلَ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنٌ قَرَأنَاهُ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ بَلِّغُوا قَوْمَنا أنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا ورَضِينَا عَنْهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا هِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا ... } (آل عمرَان: ٩٧١) . إِلَى آخِره، نزلت فِي حق أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة، كَمَا ذكره ابْن جرير أَيْضا، وَقد مر عَن قريب. وَذكره البُخَارِيّ هُنَا مُخْتَصرا، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن بكير بأتم مِنْهُ. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى.
قَوْله: (مَعُونَة) ، بِفَتْح الْمِيم وَضم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute