قيل: بوب البُخَارِيّ على غزوهن وقتالهن، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَنَّهُنَّ قاتلن، فَأَما أَن يُرِيد إِن إعانتهن للغزاة غَزْو، وَإِمَّا أَن يُرِيد أَنَّهُنَّ مَا ثبتن للمداواة ولسقي الْجَرْحى إلَاّ وَهن يدافعن عَن أَنْفسهنَّ. وَهُوَ الْغَالِب، فأضاف إلَيْهِنَّ الْقِتَال لذَلِك. قلت: كلا الْوَجْهَيْنِ جيد. وَيُؤَيّد الْوَجْه الأول مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) من حَدِيث حشرج بن زِيَاد عَن جدته أم أَبِيه: أَنَّهَا خرجت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي غَزْوَة خَيْبَر ... الحَدِيث، وَفِيه: فخرجن نعزل الشّعْر ونعين فِي سَبِيل الله، ومعنا دَوَاء الْجرْح وَتَنَاول السِّهَام ونسقي السويق، فَقَالَ لَهُنَّ خيرا حَتَّى إِذا فتح الله خَيْبَر أسْهم لنا كَمَا أسْهم للرِّجَال ... الحَدِيث، فَهَذَا فِيهِ: نناول السِّهَام، يَعْنِي للغزاة، والمناول للغازي أجره مثل أجر الْغَازِي، كَمَا للمناول السهْم للرامي فِي غير الْغُزَاة، وَأجر المناول فِي الْغُزَاة بطرِيق الأولى. وَيُؤَيّد الْوَجْه الثَّانِي مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أنس: أَن أم سليم اتَّخذت خنجراً يَوْم حنين، فَقَالَت: اتخذته إِن دنى مني أحد من الْمُشْركين بقرت بَطْنه، فَهَذِهِ أم سليم اتَّخذت عدَّة لقتل الْمُشْركين وعزمت على ذَلِك، فَصَارَ حكمهَا حكم الرِّجَال المقاتلين، وَذكر بَعضهم حَدِيث أبي دَاوُد الْمَذْكُور وَغَيره مثله، ثمَّ قَالَ: وَلم أر فِي شَيْء من ذَلِك التَّصْرِيح بأنهن قاتلن. انْتهى. قلت: التَّلْوِيح يُغني عَن التَّصْرِيح فَيحصل بِهِ الْمُطَابقَة على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: يحْتَمل أَن يكون غَرَض البُخَارِيّ بالترجمة أَن يبين أَنَّهُنَّ لَا يقاتلن وَإِن خرجن فِي الْغَزْو فالتقدير بقوله: وقتالهن مَعَ الرِّجَال، أَي: هَل هُوَ سَائِغ أَو إِذا خرجن مَعَ الرِّجَال فِي الْغَزْو ويقتصرن على مَا ذكر من مداواة الْجَرْحى وَنَحْو ذَلِك. انْتهى. قلت: لم يكن غَرَض البُخَارِيّ هَذَا الِاحْتِمَال الْبعيد أصلا وَلَا هَذَا التَّقْدِير الَّذِي قدره، لِأَنَّهُ خلاف مَا يَقْتَضِيهِ التَّرْكِيب، فَكيف يَقُول: هَل هُوَ سَائِغ؟ بل هُوَ وَاجِب عَلَيْهَا الدّفع إِذا دنى مِنْهَا الْعَدو، وكما فِي حَدِيث أم سليم فَافْهَم.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: اسْمه عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد. الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد. الثَّالِث: عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب أَبُو حَمْزَة. الرَّابِع: أنس بن مَالك.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل أبي طَلْحَة وَفِي الْمَغَازِي. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي معمر بِهِ.