للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَن سعيد بن أبي عرُوبَة حَدثنَا قَتَادَة أَن أنس بن مَالك أنبأهم: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رخص لعبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف وَالزُّبَيْر بن الْعَوام فِي قمص الْحَرِير فِي السّفر من حكة كَانَت بهما، أَو وجع كَانَ بهما، وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَرخص لَهما فِي قمص الْحَرِير فِي غزَاة لَهما. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس أَيْضا عَن النُّفَيْلِي وَلَفظه: رخص رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر بن الْعَوام فِي قمص الْحَرِير من حكة كَانَت بهما. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا الحَدِيث صَرِيح الدّلَالَة لمَذْهَب الشَّافِعِي وموافقيه أَنه يجوز لبس الْحَرِير للرجل إِذا كَانَت بِهِ حكة لما فِيهِ من الْبُرُودَة، وَكَذَلِكَ الْقمل، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز، وَكَذَا يجوز لبسه عِنْد الضَّرُورَة كمن فاجأته الْحَرْب، وَلم يجد غَيره وَكَمن خَافَ من حر أَو برد، وَقَالَ الصَّحِيح: عِنْد أَصْحَابنَا أَنه يجوز لبسه للحكة وَنَحْوهَا فِي السّفر والحضر جَمِيعًا، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا، يخْتَص بِالسَّفرِ، وَهُوَ ضَعِيف حَكَاهُ الرَّافِعِيّ واستنكره، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يدل الحَدِيث على جَوَاز لبسه للضَّرُورَة، وَبِه قَالَ بعض أَصْحَاب مَالك، وَأما مَالك فَمَنعه من الْوَجْهَيْنِ. والْحَدِيث وَاضح الْحجَّة عَلَيْهِ إلَاّ أَن يَدعِي الخصوصية لَهما وَلَا يَصح، وَلَعَلَّ الحَدِيث لم يبلغهُ.

وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي لِبَاسه على عشرَة أَقْوَال: الأول: محرم بِكُل حَال. الثَّانِي: يحرم إلَاّ فِي الْحَرْب. الثَّالِث: يحرم إلَاّ فِي السّفر. الرَّابِع: يحرم إلَاّ فِي الْمَرَض. الْخَامِس: يحرم إلَاّ فِي الْغَزْو. السَّادِس: يحرم إلَاّ فِي الْعلم. السَّابِع: يحرم على الرِّجَال وَالنِّسَاء. الثَّامِن: يحرم لبسه من فَوق دون لبسه من أَسْفَل وَهُوَ الْفرش، قَالَه أَبُو حنيفَة وَابْن الْمَاجشون. التَّاسِع: يُبَاح بِكُل حَال. الْعَاشِر: محرم، وَإِن خلط مَعَ غَيره كالخز.

وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف النَّاس فِي لِبَاسه فأجازته طَائِفَة وكرهته أُخْرَى: فَمِمَّنْ كرهه: عمر بن الْخطاب وَابْن سِيرِين وَعِكْرِمَة وَابْن محيريز، وَقَالُوا: الْكَرَاهَة فِي الْحَرْب أَشد لما يرجون من الشَّهَادَة، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة. وَمِمَّنْ أجَازه فِي الْحَرْب أنس، روى معمر عَن ثَابت قَالَ: رَأَيْت أنس بن مَالك لبس الديباج فِي فزعة فزعها النَّاس، وَقَالَ أَبُو فرقد: رَأَيْت على تجافيف أبي مُوسَى الديباح وَالْحَرِير، وَقَالَ عَطاء: الديباج فِي الْحَرْب سلَاح، وَأَجَازَهُ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَعُرْوَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَذكر ابْن حبيب عَن ابْن الْمَاجشون: أَنه اسْتحبَّ الْحَرِير فِي الْجِهَاد وَالصَّلَاة بِهِ حِينَئِذٍ للترهيب على الْعَدو والمباهاة.

٠٢٩٢ - حدَّثنا أبُو الْوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ ح وحدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ والزُّبَيْرَ شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي القَمْلَ فأرْخَصَ لَهُمَا فِي الحَرِيرِ فرأيْتُهُ علَيْهِمَا فِي غَزَاةِ..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي غزَاة) وَهِي للحرب، وَهَذَانِ طَرِيقَانِ آخرَانِ فِي حَدِيث أنس. الأول: عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن همام ابْن يحيى عَن قَتَادَة. وَالثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن سِنَان أبي بكر الْعَوْفِيّ الْبَاهِلِيّ الْأَعْمَى، وَهُوَ من أَفْرَاده.

قَوْله: (شكوا) ، كَذَا هُوَ بِالْوَاو وَهُوَ لُغَة يُقَال: شَكَوْت وشكيت بِالْوَاو وَالْيَاء: وَادّعى ابْن التِّين أَنه وَقع شكياً، ثمَّ قَالَ: وَصَوَابه شكوا، لِأَن لَام الْفِعْل مِنْهُ: وَاو، فَهُوَ مثل: {دعوا الله ربهما} (الْأَعْرَاف: ٩٨١) . قلت: ذكر الْجُورِي: شكيا، أَيْضا، قَوْله: (يَعْنِي الْقمل) يَعْنِي: كَانَت شكواهما من الْقمل. فَإِن قلت: كَانَ السَّبَب فِي الحَدِيث الْمَاضِي الحكة، حَيْثُ قَالَ: من حكة كَانَت بهما، وَهنا السَّبَب: الْقمل؟ قلت: رجح ابْن التِّين رِوَايَة الحكة، وَقَالَ: لَعَلَّ أحد الروَاة تَأَوَّلَه فَأَخْطَأَ، ووفق الدَّاودِيّ بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَال أَن يكون إِحْدَى العلتين بِأحد الرجلَيْن، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا مُنَافَاة بَينهمَا وَلَا منع لجمعهما، وَقَالَ بَعضهم: يُمكن الْجمع بِأَن الحكة حصلت من الْقمل فنسبت الْعلَّة تَارَة إِلَى السَّبَب، وَتارَة إِلَى سَبَب السَّبَب. قلت: عِلّة كل مِنْهُمَا سَبَب مُسْتَقل فَلَا تعلق لأحديهما بِالْآخرِ، وَالْحكم يثبت بسببين وَأكْثر، فَالْأَحْسَن مَا قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: (فرأيه) ، الرَّائِي هُوَ أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>