يستبعد هَذَا، لِأَن هَذَا الحَدِيث مَذْكُور فِي الْكتاب، وَهَذَا أوجه وَأقرب إِلَى الْقبُول من قَول بَعضهم فِي بَيَان الْمُطَابقَة فِي بعض الْمَوَاضِع بَين الحَدِيث والترجمة أَنه أَشَارَ بِهَذَا إِلَى حَدِيث خرجه فلَان وَلم يذكرهُ فِي كِتَابه، وَوجه ذَلِك أَن للتَّرْجَمَة أَرْبَعَة أَجزَاء. الْجُزْء الأول: هُوَ قَوْله دَعْوَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ، وَوجه الْمُطَابقَة فِيهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا هِرقل إِلَى الْإِسْلَام، وَهُوَ على دين النَّصَارَى واليهودي، مُلْحق بِهِ. الْجُزْء الثَّانِي: هُوَ قَوْله: على مَا يُقَاتلُون عَلَيْهِ، وَوجه الْمُطَابقَة فِيهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ فِي كتاب أَن مُرَاده أَن يَكُونُوا مثلنَا، وإلَاّ يُقَاتلُون عَلَيْهِ، كَمَا فِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْآتِي بعد هَذَا الْبَاب، فَقَالَ: نقاتلهم حَتَّى يَكُونُوا مثلنَا. الْجُزْء الثَّالِث: هُوَ قَوْله: وَمَا كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر، وَهَذَا ظَاهر. الْجُزْء الرَّابِع: هُوَ قَوْله: والدعوة قبل الْقِتَال، فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعاهم إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه، وتصديق رَسُوله وَلم يكن بَينه وَبينهمْ قبل ذَلِك قتال، فَافْهَم، فَإِنَّهُ فتح لي من الْفَيْض الإلَهِي، وَلم يسبقني إِلَى ذَلِك أحد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قيل لَهُ) أَي: قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لَا يقرأون كتابا إلَاّ أَن يكون مَخْتُومًا) ، وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يكْرهُونَ أَن يقْرَأ الْكتاب لَهُم غَيرهم، وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى: كتاب كريم، إِنَّه مختوم. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كَرَامَة الْكتاب خَتمه. وَعَن ابْن الْمقنع من كتب إِلَى أَخِيه كتابا وَلم يختمه، فقد استخف بِهِ، قَوْله: (فَاتخذ خَاتمًا من فضَّة) وَكَانَ اتِّخَاذه الْخَاتم سنة سِتّ، وَأَيْضًا كَانَ إرْسَاله بِكِتَاب إِلَى هِرقل فِي سنة سِتّ، وَكَانَ بعث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة نفر إِلَى الْمُلُوك فِي يَوْم وَاحِد، مِنْهُم: دحْيَة بن خَليفَة أرْسلهُ إِلَى قَيْصر ملك الرّوم وَمَعَهُ كتاب، قَالَه الْوَاقِدِيّ، وَذكر الْبَيْهَقِيّ أَنه كَانَ فِي سنة ثَمَان. قَوْله: (خَاتمًا) فِيهِ أَربع لُغَات: بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا وخيتام وخاتام، وَالْجمع: خَوَاتِيم. قَوْله: (من فضَّة) ، يدل على أَنه لَا يجوز: من ذهب، لما رُوِيَ من حَدِيث بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن خَاتم الذَّهَب، وَلما روى البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب: أمرنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع ونهانا عَن سبع، وَفِيه: نَهَانَا عَن خَوَاتِيم الذَّهَب أَو عَن أَن نتختم بِالذَّهَب. فَإِن قلت: روى الطَّحَاوِيّ وَأحمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث مُحَمَّد بن مَالك الْأنْصَارِيّ مولى الْبَراء بن عَازِب قَالَ رَأَيْت على الْبَراء خَاتمًا من ذهب، فَقيل لَهُ: قَالَ: قسم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غنيمَة فألبسنيه. وَقَالَ: إلبس مَا كساك الله وَرَسُوله، فَقَالَ الطَّحَاوِيّ: فَذهب إِلَى قوم إِلَى إِبَاحَة لبس خَوَاتِيم الذَّهَب للرِّجَال، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذَا الحَدِيث، وَأَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: عِكْرِمَة وَالْأَعْمَش وَأَبا الْقَاسِم الْأَزْدِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن الْبَراء وَحُذَيْفَة وَسعد وَجَابِر بن سَمُرَة وَأنس ابْن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قلت: خالفهم فِي ذَلِك آخَرُونَ مِنْهُم: سعيد بن جُبَير وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وعلقمة وَمَكْحُول وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، فَإِنَّهُم قَالُوا: يكره ذَلِك للرِّجَال. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور، وَبِحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه مُسلم: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن لبس القسي والمعصفر وَعَن تختم الذَّهَب ... الحَدِيث. والْحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْخَاتم، وَالتِّرْمِذِيّ فِي اللبَاس، وَالنَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن زيد بن الْخَبَّاب عَن عبد الله بن مُسلم السّلمِيّ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلِيهِ خَاتم من حَدِيد، (فَقَالَ: مَا لي أرى عَلَيْك حلية أهل النَّار) ثمَّ جَاءَ وَعَلِيهِ خَاتم من شبه، فَقَالَ: (مَا لي أجد مِنْك رَائِحَة الْأَصْنَام؟) فَقَالَ: يَا رَسُول الله! من أَي شَيْء اتَّخذهُ؟ قَالَ: اتَّخذهُ من ورق وَلَا تتمه مِثْقَالا، زَاد التِّرْمِذِيّ: ثمَّ جَاءَ وَعَلِيهِ خَاتم من ذهب، فَقَالَ: (مَا لي أرى عَلَيْك حلية أهل الْجنَّة؟) وَقَالَ: صفر، مَوضِع شبه، وَقَالَ: حَدِيث غَرِيب. قلت: رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى الْموصِلِي فِي (مسانيدهم) وَأَبُو حبَان فِي (صَحِيحه) فَإِن قلت: كَيفَ التَّوْفِيق بَين حَدِيثي الْبَراء وهما متعارضان ظَاهرا؟ قلت: إِذا خَالف الرَّاوِي مَا رَوَاهُ يكون الْعَمَل بِمَا رَآهُ لَا بِمَا رَوَاهُ، لِأَنَّهُ لَا يُخَالف مَا رَوَاهُ إلَاّ بِدَلِيل قَامَ عِنْده، وَكَانَ فص خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَبَشِيًّا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: قَوْله: (حَبَشِيًّا) ، يحْتَمل أَنه أَرَادَ من الجدع أَو العقيق، لِأَن معدتهما الْيمن والحبشة، أَو نوعا آخر ينْسب إِلَيْهِ.
قَوْله: (إِلَى بياضه) أَي: إِلَى بَيَاض الْخَاتم فِي يَد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: كَانَ عقيقاً. وَفِي (الصَّحِيح) من رِوَايَة حميد عَن أنس: كَانَ فصه مِنْهُ، وَلَا تعَارض لِأَنَّهُ لَا مَانع أَن يكون لَهُ خاتمان أَو أَكثر. قَوْله: (ونفش فِيهِ مُحَمَّد رَسُول الله) ، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : وَقَالَ: حَدثنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute