للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النصب على الْحَال، وَالتَّقْدِير: فَركب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَال كَونه بِالْمَدِينَةِ، أَي فِيهَا. وَكَانَ ركُوبه من مَكَّة لِأَنَّهَا دَار إِقَامَته. قَوْله: (فَسَأَلَهُ) أَي: فَسَأَلَ عقبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الحكم فِي الْمَسْأَلَة النَّازِلَة لذاته. قَوْله: (كَيفَ؟) هُوَ ظرف يسْأَل بِهِ عَن الْحَال. قَوْله: (وَقد قيل؟) أَيْضا حَال، وهما يستدعيان عَاملا يعْمل فيهمَا، وَالتَّقْدِير: كَيفَ تباشرها وتفضي إِلَيْهَا وَقد قيل إِنَّك أَخُوهَا؟ أَي إِن ذَلِك بعيد من ذِي الْمُرُوءَة والورع. قَوْله: (عقبَة) فَاعل: فَارقهَا، قَوْله: (ونكحت) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل. و: زوجا، مَفْعُوله، و: غَيره، بِالنّصب: صفته.

فِيهِ من المبهمات أَرْبَعَة: الأول: قَوْله: (ابْنة) ، قَالَ الْكرْمَانِي كنيتها أم يحيى، وَلم يعلم اسْمهَا. قلت: يعلم، وَاسْمهَا: غنية، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف. الثَّانِي: قَوْله: أَبُو إهَاب، بِكَسْر الْهمزَة. وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: ابْن عَزِيز، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره زَاي أَيْضا، وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ: عَزِيز بِضَم الْعين. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: عَزِيز، بِضَم الْمُهْملَة وبالزاي الْمَفْتُوحَة الرَّاء، وَقَالَ بَعضهم: وَمن قَالَ بِضَم أَوله فقد حرف. قلت: إِن كَانَ مُرَاده بِضَم الأول وَفِي آخِره زَاي مُعْجمَة فَيمكن ذَلِك، وَإِن كَانَ مُرَاده الغمز على الْكرْمَانِي فِي قَوْله: وَفِي بعض الرِّوَايَات، فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى بَيَان وَلَيْسَ نَقله أرجح من نَقله، وَأَبُو إهَاب هَذَا لَا يعرف اسْمه، وَهُوَ ابْن عَزِيز بن قيس بن سُوَيْد بن ربيعَة بن زيد بن عبد اللَّه بن دارم التَّمِيمِي الدَّارمِيّ، قَالَه خَليفَة، وَأمه فَاخِتَة بنت عَامر بن نَوْفَل بن عبد منَاف ابْن قصي، وَهُوَ حَلِيف لبني نَوْفَل روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن يَأْكُل أَحَدنَا وَهُوَ متكىء، أخرجه أَبُو مُوسَى فِي الصَّحَابَة، وَلم يذكرهُ أَبُو عمر، وَلَا ابْن مَنْدَه. الثَّالِث: قَوْله: (فَأَتَتْهُ امْرَأَة) مَا سَمَّاهَا أحد. الرَّابِع: قَوْله: (زوجا غَيره) ، اسْمه: ظريب، بِضَم الظَّاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: ابْن الْحَارِث. قَالَ بعض الشَّارِحين: ضريب بن الْحَارِث تزَوجهَا بعد عقبَة فَولدت لَهُ أم قبال، زَوْجَة جُبَير بن مطعم ومحمداً ونافعاً، وَرَأَيْت فِي مَوضِع نقل عَن خطّ الْحَافِظ الدمياطي: نَافِع بن ضريب بن عَمْرو بن نَوْفَل، وَالله أعلم.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ أَن الْوَاجِب على الْمَرْء أَن يجْتَنب مَوَاقِف التهم وَإِن كَانَ نقي الذيل بَرِيء الساحة. الثَّانِي: فِيهِ الْحِرْص على الْعلم وإيثار مَا يقربهُمْ إِلَى الله تَعَالَى. قَالَ الشّعبِيّ: لَو أَن رجلا سَافر من أقْصَى الشَّام إِلَى أقْصَى الْيمن لحفظ كلمة تَنْفَعهُ فِيمَا بَقِي من عمره لم أر سَفَره يضيع. الثَّالِث: احْتج بِظَاهِرِهِ من أجَاز شَهَادَة الْمُرضعَة وَحدهَا، وَمن منع حمله على الْوَرع دون التَّحْرِيم، وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفتاه بالتحرز عَن الشُّبْهَة، وَأمره بمجانبة الرِّيبَة خوفًا من الْإِقْدَام على فرج قَامَ فِيهِ دَلِيل على أَن الْمَرْأَة ارضعتهما، لكنه لم يكن قَاطعا وَلَا قَوِيا، لاجماع الْعلمَاء على أَن شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة لَا تجوز فِي مثل ذَلِك، لَكِن أَشَارَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأحوط. وَقَالَ غَيره: لم يَأْمُرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى وَجه الْقَضَاء، وَإِنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا لما بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ فِي الْبيُوع بَاب: تَفْسِير الشُّبُهَات، وَمِنْهُم من حمل حَدِيث عقبَة على الْإِيجَاب، وَقَالَ: تقبل شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة على الرَّضَاع، وَهُوَ قَول أَحْمد. ويروى عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن شهادتها تقبل إِذا كَانَت مُرْضِعَة، وتستحلف مَعَ شهادتها. وَقَالَ مَالك: يقبل قَوْلهَا بِشَرْط أَن يفشو ذَلِك فِي الْأَهْل وَالْجِيرَان، فَإِن شهِدت امْرَأَتَانِ شَهَادَة فَاشِية فَلَا خلاف فِي الحكم بهَا عِنْده، وَإِن شهدتا من غير فشو، أَو شهِدت وَاحِدَة مَعَ الفشو، فَفِيهِ قَولَانِ. وَمن قَالَ بِالْوُجُوب قَالَ: لَو كَانَ أمره لعقبة على الْوَرع أَو التَّنَزُّه لأَمره بِطَلَاقِهَا لتحل لغيره، وَيكون قَوْله: (كَيفَ وَقد قيل؟) على هَذَا ليهون عَلَيْهِ الْأَمر، وَيُؤَيِّدهُ تبسمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمنع أَبُو حنيفَة عَن شَهَادَة النِّسَاء متمحضات فِي الرَّضَاع. وَأما مَذْهَب الشَّافِعِي ففصل أَصْحَابه، وَقَالُوا: إِذا شهِدت الْمُرضعَة وَادعت مَعَ شهادتها أُجْرَة الرَّضَاع فَلَا تسمع شهادتها، لِأَنَّهَا تشهد لنَفسهَا فتتهم، وَإِن أطلقت الشَّهَادَة وَلم تدع أُجْرَة بِأَن قَالَت: أشهد أَنِّي ارضعته، فَفِيهِ خلاف عِنْدهم. مِنْهُم من قَالَ: لَا تقبل لِأَنَّهَا تشهد على فعل نَفسهَا، فَأَشْبَهت الْحَاكِم إِذا شهد على حكمه بعد الْعَزْل. وَمِنْهُم من قبلهَا، وَهُوَ الْأَصَح عِنْدهم، لِأَنَّهَا لَا تجر بهَا نفعا وتدفع بهَا ضِرَارًا. قلت: وَقد ظهر لَك الْخلَل فِي نقل ابْن بطال الاجماع على أَن شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة لَا تجوز فِي الرَّضَاع وَشبهه من الَّذِي ذكرنَا، لِأَن مَذْهَب أَحْمد وَغَيره أَن شَهَادَة الْوَاحِدَة فِي كل مَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال من الرَّضَاع وَغَيره تقبل، وَمِمَّا نقل عَن مَالك من شَهَادَة الْوَاحِدَة على الشياع. قلت: رُوِيَ عَن الْحسن وَإِسْحَاق أَيْضا نَحْو مَذْهَب أَحْمد، وَكَذَا قَالَ الاصطخري:

<<  <  ج: ص:  >  >>