بنياماً. انْتهى. قلت: هَذَا الْقَائِل لَا يسْتَحق هَذَا الْمِقْدَار من الْحَط عَلَيْهِ، وَله أَن يَقُول: رَأَيْت عَامَّة مَا رَأَيْت من نسخ كتاب (الصَّحِيح) : نياماً بالنُّون وَالْمِيم، وَهَذَا مَحل نظر وَتَأمل، مَعَ أَنا وَافَقنَا صَاحب (التَّلْوِيح) فِيمَا قَالَه حَيْثُ قُلْنَا آنِفا، إِن لفظ بياتاً لَيْسَ من التَّرْجَمَة بل هُوَ من الْقُرْآن.
لَيُبَيِّتَنَّهُ لَيْلاً يُبَيِّتُ لَيْلاً
أكد صَاحب (التَّلْوِيح) كَلَامه الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن بِهَاتَيْنِ اللفظتين حَيْثُ قَالَ: يُوضحهُ، أَي: يُوضح مَا ذكره فِي بعض النّسخ من قَول البُخَارِيّ: لبيتنه لَيْلًا يبيت لَيْلًا، وَقَالَ بَعضهم: هَذِه الزِّيَادَة وَقعت عِنْد غير أبي ذَر. قلت: هَذَا كُله لَيْسَ بِوَجْه قوي فِي الرَّد على ذَلِك الْقَائِل، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من ذكر هَاتين اللفظتين فِي بعض النّسخ أَن يكون لفظ: بياتاً، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَيجوز أَن يكون بالنُّون وَالْمِيم، وَيكون من التَّرْجَمَة، ثمَّ ذكر هَاتين اللفظتين لِكَوْنِهِمَا من الْقُرْآن أما الأولى فَفِي سُورَة النَّمْل فِي قَوْله تَعَالَى:{قَالُوا تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه وَأَهله ... }(النَّمْل: ٩٤) . الْآيَة يَعْنِي: قَالُوا متقاسمين بِاللَّه لنبيتنه، قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِضَم التَّاء على الْخطاب، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالنُّون، وَهُوَ من البيات وَهُوَ مباغتة الْعَدو لَيْلًا. وَأما الثَّانِيَة فَفِي سُورَة النِّسَاء فِي قَوْله تَعَالَى {بيَّت طَائِفَة مِنْهُم غير الَّذِي تَقول}(النِّسَاء: ١٨) . وَهِي فِي السَّبْعَة، وَهُوَ من التبييت فِي اللَّيْل لِأَنَّهُ وَقت البيتوتة، فَإِن ذَلِك الْوَقْت أخلى للفكر. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كل شَيْء قدر بلَيْل تبييت.
٢١٠٣ - حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا الزُّهْرِيُّ عنْ عُبَيْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم قَالَ مَرَّ بِي النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأبْوَاءِ أوْ بِوَدَّانَ وسُئِلَ عنْ أهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وذَرَارِيِّهِمْ قالَ هُمْ مِنْهُمْ وسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا حِمَى إلَاّ لله ولِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ حدَّثنا الصَّعْبُ فِي الذَّرَارِيِّ كانَ عَمْرٌ ويُحَدِّثُنَا عنِ ابنِ شِهَابٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمِعْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرنِي عُبَيْدُ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ الصَّعْبِ قالَ هُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يقُلْ كَمًّ قَالَ عَمْرٌ وهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ.
(انْظُر الحَدِيث ٠٧٣٢) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:(وَسُئِلَ عَن أهل الدَّار) إِلَى قَوْله: (وسمعته) . وَرِجَاله كلهم قد ذكرُوا، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله ابْن عتبَة بن مَسْعُود، والصعب ضد السهل ابْن جثامة، بِفَتْح وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن قيس بن ربيعَة اللَّيْثِيّ، مر فِي جَزَاء الصَّيْد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بالأبواء) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد: من عمل الْفَرْع من الْمَدِينَة، بَينهَا وَبَين الْجحْفَة مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة ثَلَاثَة وَعشْرين ميلًا، سميت بذلك لتبوء السُّيُول بهَا، وَبِه توفيت أم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:(أَو بودان) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهِي: بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة وَبعد الْألف نون، وَهِي قَرْيَة جَامِعَة بَينهَا وَبَين الْأَبْوَاء ثَمَانِيَة أَمْيَال قريب من الْجحْفَة، وَهِي أَيْضا من عمل الْفَرْع. قَوْله:(وَسُئِلَ) على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْوَاو فِيهِ للْحَال، ويروى: فَسئلَ، بِالْفَاءِ. قَوْله:(عَن أهل الدَّار) ، أَي: عَن أهل دَار الْحَرْب، وَفِي رِوَايَة مُسلم: سُئِلَ عَن الذَّرَارِي من الْمُشْركين يبيتُونَ من نِسَائِهِم وذراريهم، فَقَالَ: هم مِنْهُم، رَوَاهُ عَن يحيى بن يحيى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن الصعب بن جثامة، وَفِي لفظ لَهُ عَن الصعب، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! إِنَّا نصيب فِي البيات من ذَرَارِي الْمُشْركين. قَالَ: هم مِنْهُم، وَفِي لفظ لَهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ: لَو أَن خيلاً غارت من اللَّيْل فأصابت من أَبنَاء الْمُشْركين؟ قَالَ: هم من آبَائِهِم، وَترْجم مُسلم على هَذَا: بَاب مَا أُصِيب من ذَرَارِي الْعَدو فِي البيات، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَكَذَا هُوَ فِي أَكثر نسخ بِلَادنَا: سُئِلَ