وولدانهم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي رويناها. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: الْأَوْزَاعِيّ ومالكاً وَالشَّافِعِيّ، فِي قَول وَأحمد فِي رِوَايَة.
وَقَالَ أَبُو عمر: اخْتلفُوا فِي رمي الْحُصُون بالمنجنيق إِذا كَانَ فِيهَا أَطْفَال الْمُشْركين أَو أُسَارَى الْمُسلمين، فَقَالَ مَالك: لَا يرْمى الْحصن وَلَا تحرق سفينة الْكفَّار إِذا كَانَ فِيهَا أُسَارَى الْمُسلمين: قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِذا تترس الْكفَّار بأطفال الْمُسلمين لم يرموا وَلَا تحرق الْمركب الَّذِي فِيهِ أُسَارَى الْمُسلمين. وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ فِي (الصَّحِيح) وَأحمد وَإِسْحَاق: إِذا كَانَ لَا يُوصل إِلَى قَتلهمْ إلَاّ بِتَلف الصّبيان وَالنِّسَاء فَلَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري: لَا بَأْس برمي حصون الْمُشْركين وَإِن كَانَ فِيهَا أُسَارَى من الْمُسلمين وأطفالهم، أَو أَطْفَال الْمُشْركين، وَلَا بَأْس أَن تحرق السفن ويقصد بِهِ الْمُشْركُونَ، فَإِن أَصَابُوا وَاحِدًا من الْمُسلمين بذلك فَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة. وَقَالَ الثَّوْريّ: إِن أَصَابُوهُ فَفِيهِ الْكَفَّارَة وَلَا دِيَة. قَوْله: (وسمعته يَقُول) ، أَي: قَالَ الصعب بن جثامة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول. . ويروى: فَيَقُول، وَهِي رِوَايَة أبي ذَر، وبالواو أظهر. قَوْله: (لَا حمى إلَاّ لله وَلِرَسُولِهِ) ، هَذَا حَدِيث مُسْتَقل مضى فِي كتاب الْمُسَاقَاة فِي: بَاب لَا حمى إلَاّ لله وَلِرَسُولِهِ، أخرجه عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة ابْن مَسْعُود عَن ابْن عَبَّاس: أَن الصعب بن جثامة، قَالَ: إِن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا حمى إلَاّ لله وَلِرَسُولِهِ) وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. فَإِن قلت: مَا وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث فِي أثْنَاء حَدِيث الْبَاب؟ قلت: كَانُوا يحدثُونَ بالأحاديث على نَحْو مَا كَانُوا يسمعونها، وَقيل: هَذَا يشبه أَن يكون شَبِيها بِمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ) ، ثمَّ وَصله بِحَدِيث آخر لَيْسَ فِيهِ شَيْء من مَعْنَاهُ كَمَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (وَعَن الزُّهْرِيّ) ، مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول: حَدثنَا الصعب فِي الذَّرَارِي ... أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن فِي هَذِه الرِّوَايَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: (حَدثنَا الصعب فِي الذَّرَارِي) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن فِي هَذِه الرِّوَايَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس: حَدثنَا الصعب فِي الذَّرَارِي أَي: سُئِلَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الذَّرَارِي، وَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ لمُسلم: سُئِلَ عَن الذَّرَارِي، وَقد ذكرنَا عَن قريب عَن النَّوَوِيّ أَنه قَالَ: المُرَاد بِالذَّرَارِيِّ هُنَا النِّسَاء وَالصبيان. قَوْله: (كَانَ عَمْرو) ، يحدثنا أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: كَانَ عَمْرو بن دِينَار يحدثنا عَن ابْن شهَاب، وَهُوَ الزُّهْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُرْسلا، وَقَالَ بَعضهم فِي سِيَاق هَذَا الْبَاب عَن الزُّهْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُوهم أَن رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن الزُّهْرِيّ هَكَذَا بطرِيق الْإِرْسَال، وَبِذَلِك جزم بعض الشُّرَّاح، وَلَيْسَ كَذَلِك، فقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق الْعَبَّاس بن يزِيد حَدثنَا سُفْيَان، قَالَ: كَانَ عَمْرو يحدثنا قبل أَن يقدم الزُّهْرِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن الصعب بن جثامة، قَالَ: فَقدم علينا الزُّهْرِيّ فَسَمعته يُعِيدهُ ويبديه، فَذكر الحَدِيث. انْتهى. قلت: أَرَادَ بِبَعْض الشُّرَّاح الْكرْمَانِي، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّه مُرْسل، وَالصَّوَاب مَعَه، فَإِن صُورَة مَا وَقع هُنَا صُورَة الْإِرْسَال، وَلَا نزاع فِي ذَلِك بِحَسب الظَّاهِر، وَلَا ينْدَفع صُورَة الْإِرْسَال هُنَا بِإِخْرَاج الْإِسْمَاعِيلِيّ كَمَا ذكره. قَوْله: (وَلم يقل كَمَا قَالَ عَمْرو: هم من آبَائِهِم) ، بَيَان هَذَا الْموضع هُوَ: أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: كَانَ عَمْرو بن دِينَار يحدثنا بِهَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: هم من آبَائِهِم، فسمعناه بعد ذَلِك من الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: أَخْبرنِي عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس، عَن الصعب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: هم مِنْهُم، وَلم يقل كَمَا قَالَ عَمْرو: من آبَائِهِم. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله ابْن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أَخْبرنِي الصعب بن جثامة، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! إِن خَيْلنَا وطِئت من نسَاء الْمُشْركين وَأَوْلَادهمْ؟ قَالَ: (هم من آبَائِهِم) ، هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَقد أخرج ابْن حبَان فِي حَدِيث الصعب زِيَادَة فِي آخِره، ثمَّ نهى عَنهُ يَوْم حنين، وَأَشَارَ الزُّهْرِيّ إِلَى نسخ حَدِيث الصعب، وَحكي الْحَازِمِي قولا بِجَوَاز قتل النِّسَاء وَالصبيان على ظَاهر حَدِيث الصعب، وَزعم أَنه نَاسخ لأحاديث النَّهْي وَهُوَ غَرِيب. قلت: حَدِيث ريَاح بن الرّبيع، الَّذِي مر عَن قريب، يدل على أَن النَّهْي كَانَ مُتَأَخِّرًا عَن حَدِيث الصعب، لِأَن خَالِدا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّمَا كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُقَاتِلًا سنة ثَمَان. وَالله تَعَالَى أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute