وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {أفعيينا بالخلق الأول} (ق: ٥١) . بقوله: أفأعيى علينا حِين أنشأناكم خلقا جَدِيدا، فشكوا فِي الْبَعْث، وَقَالَ أهل اللُّغَة: عييت بِالْأَمر إِذا لم تعرف جِهَته، وَمِنْه: العي فِي الْكَلَام. قَوْله: لغوب، النصب أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب} (ق: ٠٥) . قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: اللغوب الإعياء، وَالنّصب التَّعَب وزنا وَمعنى، وَهَذَا تَفْسِير مُجَاهِد، أخرجه عَنهُ ابْن أبي حَاتِم. وَأخرج من طَرِيق قَتَادَة: أكذب الله الْيَهُود فِي زعمهم أَنه استراح فِي الْيَوْم السَّابِع، قَالَ: وَمَا مسنا من لغوب أَي: من إعياء، وغفل الدَّاودِيّ فَظن أَن النصب فِي كَلَام المُصَنّف بِسُكُون الصَّاد، وَأَنه أَرَادَ ضبط اللغوب، ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ بقوله: لم أر أحدا نصب اللَاّم، أَي: من الْفِعْل، وَإِنَّمَا هُوَ بِالنّصب الأحمق. قَوْله: (أطواراً) أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله: وَقد خَلقكُم أطواراً ثمَّ فسره بقوله: طوراً كَذَا وطوراً كَذَا، يَعْنِي طوراً نُطْفَة وطوراً علقَة وطوراً مُضْغَة وَنَحْوهَا، والأطوار: الْأَحْوَال الْمُخْتَلفَة. وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن المُرَاد اخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس من صِحَة وسقم، وَقيل: مَعْنَاهُ أصنافاً فِي الألوان واللغات، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الأطوار التارات وَالْحُدُود، وَاحِدهَا طور، أَي: مرّة ملك وَمرَّة هلك وَمرَّة بؤس وَمرَّة نعم. قَوْله: (عدا طوره) ، فسره بقوله: قدره، يُقَال: فلَان عدا طوره إِذا جَاوز قدره.
٠٩١٣ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبَرَنَا سُفْيَانُ عنْ جامِعِ بنِ شَدَّادٍ عنْ صَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ جاءَ نَفَرٌ مِنْ بَني تَمِيمٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقالَ يَا بَني تَمِيمٍ أبْشِرُوا قَالُوا بَشَّرْتَنَا فأعْطِنا فتَغيرَ وجْهُهُ فَجاءَهُ أهْلُ الْيَمَنِ فَقَالَ يَا أهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا البُشرَى إذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَميمٍ قَالُوا قَبِلْنَا فأخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَدِّثُ بَدْءَ الخَلْقِ والْعَرْشِ فَجاءَ رَجُلٌ فَقال يَا عِمْرَانُ راحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ لَيْتَنِي لَمْ أقُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يحدث بَدْء الْخلق) وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وجامع بن شَدَّاد بِالتَّشْدِيدِ أَبُو صَخْرَة الْمحَاربي الْكُوفِي وَصَفوَان بن مُحرز، بِضَم الْمِيم على وزن الْفَاعِل من الْإِحْرَاز: الْمَازِني الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن أبي نعيم وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَفِي بَدْء الْخلق أَيْضا عَن عَمْرو بن حَفْص وَفِي التَّوْحِيد عَن عَبْدَانِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.
قَوْله: (جَاءَ نفر) أَي: عدَّة رجال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، وَكَانَ قدومهم فِي سنة تسع. قَوْله: (أَبْشِرُوا) ، أَمر بِهَمْزَة قطع من الْبشَارَة، وَأَرَادَ بهَا مَا يجازى بِهِ الْمُسلمُونَ وَمَا يصير إِلَيْهِ عاقبتهم، وَيُقَال: بشرهم بِمَا يَقْتَضِي دُخُول الْجنَّة حَيْثُ عرفهم أصُول العقائد الَّتِي هِيَ المبدأ والمعاد وَمَا بَينهمَا. قَوْله: (قَالُوا بشرتنا) ، فَمن الْقَائِلين بِهَذَا الْأَقْرَع بن حَابِس، كَانَ فِيهِ بعض أَخْلَاق الْبَادِيَة. قَوْله: (فَأَعْطِنَا) ، أَي: من المَال. قَوْله: (فَتغير وَجهه) ، أَي: وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِمَّا للأسف عَلَيْهِم كف آثروا الدُّنْيَا، وَإِمَّا لكَونه لم يحضرهُ مَا يعطيهم فيتألفهم بِهِ. قَوْله: (فجَاء أهل الْيمن) ، هم الأشعريون قوم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَقَالَ ابْن كثير: قدوم الْأَشْعَرِيين صُحْبَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي صُحْبَة جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه من الْمُهَاجِرين الَّذين كَانُوا بِالْحَبَشَةِ حِين فتح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر، قَوْله: (اقْبَلُوا الْبُشْرَى) ، حكى عِيَاض: أَن فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: الْيُسْرَى، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة، قَالَ: وَالصَّوَاب الأول. قَوْله: (إِذْ لم يقبلهَا) ، كلمة إِذْ، ظرف وَهُوَ اسْم للزمن الْمَاضِي، وَلها استعمالات أَحدهَا أَن تكون ظرفا بِمَعْنى الْحِين، وَهُوَ الْغَالِب، وَهنا كَذَلِك. قَوْله: (فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: شرع يحدث. قَوْله: (راحلتك) ، الرَّاحِلَة النَّاقة الَّتِي تصلح لِأَن ترحل والمركب أَيْضا من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، وَيجوز فِيهَا الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء، وَأما النصب فعلى تَقْدِير: أدْرك راحلتك. قَوْله: (تفلتت) أَي: تشردت وتشمرت. قَوْله: (لَيْتَني لم أقِم) ، أَي: قَالَ عمرَان: لَيْتَني لم أقِم من مجْلِس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لم يفت مني سَماع كَلَامه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute