قامَ فِينَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَقاماً فأخبرَنَا عنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حتَّى دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ منازِلَهُمْ وأهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ ونَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ.
عِيسَى هُوَ ابْن مُوسَى البُخَارِيّ أَبُو أَحْمد التَّيْمِيّ مَوْلَاهُم يلقب: غُنْجَار، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالجيم وَبعد الْألف رَاء، لقب بِهِ لاحمرار خديه، كَانَ من أعبد النَّاس، مَاتَ سنة سبع أَو سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الْموضع، ورقبة، بِفَتْح الرَّاء وَالْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مصقلة، بالصَّاد الْمُهْملَة وبالقاف: الْعَبْدي الْكُوفِي. وَاعْلَم أَن رِوَايَة الْأَكْثَرين هَكَذَا. عِيسَى عَن رَقَبَة، وَقَالَ الجياني: سقط بَينه وَبَين رَقَبَة أَبُو حَمْزَة السكرِي وَهُوَ مُحَمَّد بن مَيْمُون، وَقَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: إِنَّمَا رَوَاهُ عِيسَى، يَعْنِي: ابْن مُوسَى عَن أبي حَمْزَة السكرِي عَن رَقَبَة.
وَقد وصل الطَّبَرَانِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عِيسَى الْمَذْكُور عَن أبي حَمْزَة عَن رَقَبَة وَلم ينْفَرد بِهِ عِيسَى، فقد أخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق عَليّ بن الْحُسَيْن بن شَقِيق عَن أبي حَمْزَة وَلَكِن فِي إِسْنَاده ضعف.
قَوْله: (قَامَ فِينَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مقَاما) يَعْنِي: قَامَ على الْمِنْبَر، بيَّن ذَلِك مَا رَوَاهُ أَحْمد وَمُسلم من حَدِيث أبي زيد الْأنْصَارِيّ، قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَلَاة الصُّبْح وَصعد الْمِنْبَر فَخَطَبنَا حَتَّى حضرت الصَّلَاة، ثمَّ نزل فصلى بِنَا الظّهْر ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَخَطَبنَا ثمَّ الْعَصْر كَذَلِك حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فحدثنا بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن، فأعلمنا أحفظنا لفظ أَحْمد وَأفَاد هَذَا بَيَان الْمقَام الْمَذْكُور زَمَانا ومكاناً، وَأَنه كَانَ على الْمِنْبَر من أول النَّهَار إِلَى أَن غَابَتْ الشَّمْس. قَوْله: (حَتَّى دخل) كلمة: حَتَّى، غَايَة للمبدأ وللإخبار، أَي: حَتَّى أخبر عَن دُخُول أهل الْجنَّة، وَالْغَرَض أَنه أخبر عَن المبدأ والمعاش والمعاد جَمِيعًا، وَإِنَّمَا قَالَ: دخل، بِلَفْظ الْمَاضِي مَوضِع الْمُسْتَقْبل مُبَالغَة للتحقق الْمُسْتَفَاد من خبر الصَّادِق.
وَفِيه: دلَالَة على أَنه أخبر فِي الْمجْلس الْوَاحِد بِجَمِيعِ أَحْوَال الْمَخْلُوقَات من ابتدائها إِلَى انتهائها، وَفِي إِيرَاد ذَلِك كُله فِي مجْلِس وَاحِد أَمر عَظِيم من خوارق الْعَادة، وَكَيف وَقد أعطي جَوَامِع الْكَلم مَعَ ذَلِك؟
٣٩١٣ - حدَّثني عبْدُ لله بنُ أبِي شَيْبَةَ عنْ أبِي أحْمَدَ عنْ سُفْيَانَ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُرَاهُ يَقُولُ الله شَتَمَنِي ابنُ آدَمَ ومَا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَشْتِمَنِي وتَكَذَّبَنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ إنَّ لِي ولَدَاً وأمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأنِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَيْسَ يُعِيدنِي كَمَا بَدَأَنِي) وَهُوَ قَول منكري الْبَعْث من عباد الْأَوْثَان.
وَأَبُو أَحْمد اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن دِرْهَم الْأَزْدِيّ، وَقيل: الْأَسدي الزبيرِي، نِسْبَة إِلَى جده، مَاتَ بالأهواز فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ يَصُوم الدَّهْر، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
قَوْله: (يَشْتمنِي) ، بِالْفِعْلِ الْمُضَارع، ويروى: شَتَمَنِي، بالماضي من الشتم، وَهُوَ توصيف الشَّيْء بِمَا هُوَ إزراء وَنقص لَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بالغيرة وَإِثْبَات الْوَلَد كَذَلِك، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم الْإِمْكَان المتداعي للحدوث، قَالُوا: إِن هَذَا الحَدِيث كَلَام قدسي، أَي: نَص إل هِيَ فِي الدرجَة الثَّانِيَة، لِأَن الله تَعَالَى أخبر نبيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعْنَاهُ بإلهام وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنهُ أمته بِعِبَارَة نَفسه. قَوْله: (وتكذبني) ، من بَاب التفعل، ويروى: ويكذبني بِضَم الْيَاء من التَّكْذِيب.
٤٩١٣ - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا مُغِيرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ القُرَشِيُّ عنْ أبِي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا قَضَى الله الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابهِ فَهْوَ عِنْدَهُ فَوقَ العَرْشِ إنَّ رَحْمَتِي غلَبَتْ غَضَبِي. .