للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمَغَازِي.

قَوْله: (الزَّمَان) اسْم لقَلِيل الْوَقْت وَكَثِيره، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا السّنة، وَذَلِكَ أَن قَوْله: (السّنة إثني عشر شهرا) إِلَى آخِره، جمل مستأنفة مبينَة للجملة الأولى. فَالْمَعْنى أَن الزَّمَان فِي انقسامه إِلَى الأعوام، والأعوام إِلَى الْأَشْهر عَاد إِلَى أصل الْحساب والوضع الَّذِي اخْتَارَهُ الله وَوَضعه يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض. قَوْله: (اسْتَدَارَ) ، يُقَال: دَار يَدُور، واستدار يستدير بِمَعْنى: إِذا طَاف حول الشَّيْء وَإِذا عَاد إِلَى الْموضع الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ، وَمعنى الحَدِيث: أَن الْعَرَب كَانُوا يؤخرون الْمحرم إِلَى صفر وَهُوَ النسيء الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} (التَّوْبَة: ٧٣) . وَذَلِكَ لِيُقَاتِلُوا فِيهِ، ويفعلون ذَلِك كل سنة بعد سنة فَينْتَقل الْمحرم من شهر إِلَى شهر حَتَّى جَعَلُوهُ فِي جَمِيع شهور السّنة، فَلَمَّا كَانَت تِلْكَ السّنة قد عَاد إِلَى زَمَنه الْمَخْصُوص بِهِ، قيل: دارت السّنة كهيئتها الأولى، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا أخر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج مَعَ الْإِمْكَان ليُوَافق أصل الْحساب فيحج فِيهِ حجَّة الْوَدَاع. قَوْله: (كَهَيْئَته) ، الْكَاف صفة مصدر مَحْذُوف أَي: اسْتَدَارَ استدارة مثل حَالَته يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض. قَوْله: (ثَلَاث مُتَوَالِيَات) إِنَّمَا حذف التَّاء من الْعدَد بِاعْتِبَار أَن الشَّهْر وَاحِد الْأَشْهر بِمَعْنى اللَّيَالِي، فَاعْتبر لذَلِك تأنيثه، وَيُقَال: ذَلِك بِاعْتِبَار الْغرَّة أَو اللَّيْلَة، مَعَ أَن الْعدَد الَّذِي لم يذكر مَعَه الْمُمَيز جَازَ فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث، ويروى: (ثَلَاثَة) ، على الأَصْل. قَوْله: (ذُو الْقعدَة) مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ ذُو الْقعدَة، أَو: أَولهَا ذُو الْقعدَة، وَمَا بعده عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (وَرَجَب مُضْمر) عطف على قَوْله: (ثَلَاث) ، وَلَيْسَ بعطف على قَوْله: وَالْمحرم، وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى مُضر لِأَنَّهَا كَانَت تحافظ على تَحْرِيمه أَشد من مُحَافظَة سَائِر الْعَرَب، وَلم يكن يستحله أحد من الْعَرَب. قَوْله: (بَين جُمَادَى وَشَعْبَان) ، ذكره تَأْكِيدًا وإزاحة للريب الْحَادِث فِيهِ من النسىء. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: النسيء تَأْخِير حُرْمَة شهر إِلَى شهر آخر، كَانُوا يحلونَ الشَّهْر الْحَرَام ويحرمون مَكَانَهُ شهرا آخر حَتَّى رفضوا تَخْصِيص الْأَشْهر الْحرم، فَكَانُوا يحرمُونَ من شهور الْعَام أَرْبَعَة أشهر مُطلقًا، وَرُبمَا زادوا فِي الْأَشْهر فيجعلونها ثَلَاثَة عشر، أَو أَرْبَعَة عشر، قَالَ: وَالْمعْنَى: رجعت الْأَشْهر إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ وَعَاد الْحَج إِلَى ذِي الْحجَّة وَبَطل النسيء الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقد وَافَقت حجَّة الْوَدَاع ذَا الْحجَّة، فَكَانَت حجَّة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قبلهَا فِي ذِي الْقعدَة.

٨٩١٣ - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثناأبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ سَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ أنَّهُ خَاصَمَتْهُ أرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَ أنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا إِلَى مَرْوانَ فقالَ سَعِيدٌ أنَا أنْتَقِصُ مِنْ حقِّهَا شَيْئاً أشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ منْ أخَذَ شِبْرَاً مِنَ الأرْضِ ظُلْماً فإنَّهُ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أرْضِينَ. (انْظُر الحَدِيث ٢٥٤٢) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد، بِضَم الْعين: واسْمه فِي الأَصْل عبد الله الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام بن عُرْوَة بن الزبير يروي عَن أَبِيه عُرْوَة، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل، بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء: الْعَدوي أحد الْعشْرَة المبشرة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

والْحَدِيث من قَوْله: (لسمعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره، قد مر فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب إِثْم من ظلم شَيْئا من الأَرْض.

قَوْله (أروى) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو وبالقصر بنت أبي أويس بِالسِّين الْمُهْملَة قَالَ ابْن الْأَثِير لم أتحقق أَنَّهَا صحابية أَو تابعية قَوْله: (زعمت) ، أَي: أدعت أَنه أَي: أَن سعيد بن زيد انتقصه، أَي: انتقصها من حَقّهَا فِي أَرض. قَوْله: (إِلَى مَرْوَان) ، يتَعَلَّق بقوله: خاصمته، أَي: ترافعا إِلَى مَرْوَان، وَهُوَ كَانَ يَوْمئِذٍ مُتَوَلِّي الْمَدِينَة، وَقد ترك سعيد الْحق لَهَا ودعا عَلَيْهَا، فَاسْتَجَاب الله تَعَالَى دعاءه وَمَرَّتْ الْقِصَّة فِي الْمَظَالِم.

قَالَ ابنُ الزِّنادِ عنْ هشامٍ عنْ أبِيهِ قَالَ قَالَ لِي سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ دَخَلْتُ على النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ابْن أبي الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وبالنون: هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله مفتي بَغْدَاد، وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق بَيَان لِقَاء عُرْوَة

<<  <  ج: ص:  >  >>