للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صَرِيحًا، فَهُوَ فِي تَعْمِيم جنس أهل الْكتاب، وَلَا يلْزم من تَعْمِيم ذَلِك تَعْمِيم الأجرين فِي حق أهل الْكتاب، ثمَّ إعلم أَن قَوْله: (رجل من أهل الْكتاب) ، يدْخل فِيهِ أَيْضا الْمَرْأَة الْكِتَابِيَّة، لما علم من أَنه حَيْثُ يذكر الرِّجَال يدْخل فيهم النِّسَاء بالتبعية. قَوْله: (وَالْعَبْد الْمَمْلُوك) إِنَّمَا وصف بالمملوك لِأَن جَمِيع الأناسي عباد الله تَعَالَى، فَأَرَادَ تَمْيِيزه بِكَوْنِهِ مَمْلُوكا للنَّاس. قَوْله: (إِذا أدّى حق الله) أَي: مثل الصَّلَاة وَالصَّوْم (وَحقّ موَالِيه) ، مثل خدمته. وَالْمولى مُشْتَرك بَين المعتَق والمعتِق وَابْن الْعم والناصر وَالْجَار والحليف، وكل من ولي أَمر أحدٍ، وَالْمرَاد هُنَا الْأَخير، أَي السَّيِّد، إِذْ هُوَ الْمُتَوَلِي لأمر العَبْد، والقرينة الْمعينَة لَهُ لفظ العَبْد فَإِن قلت: لِمَ لَا يحمل على جَمِيع الْمعَانِي كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، إِذْ عِنْده: يجب الْحمل على جَمِيع مَعَانِيه الْغَيْر المتضادة، قلت: ذَاك عِنْد عدم الْقَرِينَة، أما عِنْد الْقَرِينَة فَيجب حمله على مَا عينته الْقَرِينَة اتِّفَاقًا. فَإِن قلت: فَهَل هُوَ مجَاز فِي الْمَعْنى الْمعِين إِذْ الِاحْتِيَاج إِلَى الْقَرِينَة هُوَ من عَلَامَات الْمجَاز أم لَا؟ قلت: هُوَ حَقِيقَة فِيهِ، وَلَيْسَ كل مُحْتَاج إِلَيْهِ مجَازًا. نعم، الْمُحْتَاج إِلَى الْقَرِينَة الصارفة عَن إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ مجَاز، ومحصله أَن قرينَة التَّجَوُّز قرينَة الدّلَالَة، وَهِي غير قرينَة الإشتراك الَّتِي هِيَ قرينَة التَّعْيِين، وَالْأولَى هِيَ من عَلَامَات الْمجَاز لَا الثَّانِيَة. فَإِن قلت: لِمَ عدل عَن لفظ: الْمولي، إِلَى لفظ: الموَالِي؟ قلت: لما كَانَ المُرَاد من العَبْد جنس العبيد جمع حَتَّى يكون عِنْد التَّوْزِيع لكل عبد مولى، لِأَن مُقَابلَة الْجمع بِالْجمعِ أَو مَا يقوم مقَامه مفيدة للتوزيع، أَو أَرَادَ أَن اسْتِحْقَاق الأجرين إِنَّمَا هُوَ عِنْد أَدَاء حق جَمِيع موَالِيه لَو كَانَ مُشْتَركا بَين طَائِفَة مَمْلُوكا لَهُم. فَإِن قلت: فأجر المماليك ضعف أجر السادات. قلت: لَا مَحْذُور فِي الْتِزَام ذَلِك، أَو يكون لَهُم أجره ضعفه من هَذِه الْجِهَة، وَقد يكون للسَّيِّد جِهَات أخر يسْتَحق بهَا أَضْعَاف أجر العَبْد، أَو المُرَاد تَرْجِيح العَبْد الْمُؤَدِّي للحقين على العَبْد الْمُؤَدِّي لأَحَدهمَا. فَإِن قلت: فعلى هَذَا يلْزم، أَن يكون الصَّحَابِيّ الَّذِي كَانَ كتابياً أجره زَائِد على أجر أكَابِر الصَّحَابَة، وَذَلِكَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع. قلت: الْإِجْمَاع خصصهم وأخرجهم من ذَلِك الحكم، ويلتزم ذَلِك فِي كل صَحَابِيّ لَا يدل دَلِيل على زِيَادَة أجره على من كَانَ كتابياً. وَالله علم.

قَوْله: (يَطَؤُهَا) هُوَ مَهْمُوز،، فَكَانَ الْقيَاس: يوطؤها، مثل: يوجل، لِأَن الْوَاو إِنَّمَا تحذف إِذا وَقعت بَين الْيَاء والكسرة، وَهَهُنَا وَقعت بَين الْيَاء والفتحة مثل: يسمع. قَالَ الْجَوْهَرِي وَغَيره: إِنَّمَا سَقَطت الْوَاو مِنْهَا لِأَن فعل يفعل مِمَّا اعتل فاؤه لَا يكون إلَاّ لَازِما، فَلَمَّا جَاءَا بَين إخواتهما متعديين خُولِفَ بهما نظائرهما. فَإِن قلت: إِذا لم يَطَأهَا لَكِن أدبها، هَل لَهُ أَجْرَانِ؟ قلت: نعم إِذْ المُرَاد من قَوْله: (يَطَؤُهَا) يحل وَطْؤُهَا سَوَاء صَارَت مَوْطُوءَة أَو لَا. قَوْله: (فأدبها) من التَّأْدِيب، وَالْأَدب هُوَ حسن الْأَحْوَال والأخلاق، وَقيل: التخلق بالأخلاق الحميدة. قَوْله: (فَأحْسن تأديبها) أَي: أدبها من غير عنف وَضرب بل بالرفق واللطف. فَإِن قلت: أَلَيْسَ التَّأْدِيب دَاخِلا تَحت التَّعْلِيم؟ قلت: لَا، إِذْ التَّأْدِيب يتَعَلَّق بالمروآت، والتعليم بالشرعيات، أَعنِي: أَن الأول عرفي، وَالثَّانِي شَرْعِي؛ أَو: الأول دُنْيَوِيّ، وَالثَّانِي ديني. قَوْله: (ثمَّ اعتقها فَتَزَوجهَا) وَفِي بعض طرقه: (أعْتقهَا ثمَّ أصدقهَا) ، وَهُوَ مُبين لما سكت عَنهُ فِي بَقِيَّة الْأَحَادِيث من ذكر الصَدَاق، فعلى الْمُسْتَدلّ أَن ينظر فِي طَرِيق هَذِه الزِّيَادَة، وَمن هُوَ الْمُنْفَرد بهَا؟ وَهل هُوَ مِمَّن يقبل تفرده؟ وَهل هَذِه الزِّيَادَة مُخَالفَة لرِوَايَة الْأَكْثَرين أم لَا؟ قَوْله: (ثمَّ قَالَ عَامر) أَي: قَالَ صَالح: ثمَّ قَالَ عَامر الشّعبِيّ: أعطيناكها، أَي: أعطينا الْمَسْأَلَة أَو الْمُقَابلَة إياك بِغَيْر شَيْء أَي: بِغَيْر أَخذ مَال مِنْك على جِهَة الْأُجْرَة عَلَيْهِ، وإلَاّ فَلَا شَيْء أعظم من الْأجر الأخروي الَّذِي هُوَ ثَوَاب التَّبْلِيغ والتعليم. فَإِن قلت: الْخطاب فِي (أعطيناكها) لمن؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: الْخطاب لصالح، وَلَيْسَ كَذَلِك. فَإِنَّهُ غره الظَّاهِر، وَلَكِن الْخطاب لرجل من أهل خُرَاسَان سَأَلَ الشّعبِيّ عَمَّن يعْتق أمته ثمَّ يَتَزَوَّجهَا، على مَا جَاءَ فِي البُخَارِيّ فِي بَاب: {وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم} (مَرْيَم: ١٦) قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل، انبأنا عبد اللَّه، قَالَ: انبأنا صَالح بن حَيّ أَن رجلا من أهل خُرَاسَان قَالَ لِلشَّعْبِيِّ: أَخْبرنِي. فَقَالَ الشّعبِيّ: اخبرني أَبُو بردة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أدب الرجل أمته فَأحْسن تأديبها، وَعلمهَا فَأحْسن تعليمها، ثمَّ أعْتقهَا فَتَزَوجهَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ. وَإِذا آمن بِعِيسَى ثمَّ آمن بِي فَلهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْد، إِذا اتَّقى ربه وأطاع موَالِيه فَلهُ أَجْرَانِ) .

قَوْله: (قد كَانَ يركب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي بعض النّسخ: فقد كَانَ يركب، أَي: يرحل (فِيمَا دونهَا) ، أَي: فِيمَا دون هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَى الْمَدِينَة، أَي مَدِينَة النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَاللَّام فِيهَا للْعهد، وَقد كَانَ ذَلِك فِي زمن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين، ثمَّ تَفَرَّقت الصَّحَابَة، رَضِي الله عَنْهُم، إِلَى الْبِلَاد بعد فتح الْأَمْصَار، فَاكْتفى أهل كل بلد بعلمائه إلَاّ من طلب التَّوَسُّع فِي الْعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>