للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولد فِي آخر خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، وروى عَنهُ ابْنه. قَالَ: أَعقل قتل عُثْمَان، وَيُقَال إِنَّه من مولدِي الْجند من مخاليف الْيمن وَنَشَأ بِمَكَّة وَصَارَ مفتيها، وَهُوَ من كبار التَّابِعين، وروى عَن العبادلة وَعَائِشَة وَغَيرهم، وروى عَنهُ اللَّيْث حَدِيثا وَاحِدًا، وجلالته وبراعته وثقته وديانته مُتَّفق عَلَيْهَا، وَحج سبعين حجَّة، وَكَانَت الْحلقَة بعد ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا، لَهُ. مَاتَ سنة خمس عشرَة، وَقيل أَربع عشرَة وَمِائَة، عَن ثَمَانِينَ سنة. وَكَانَ حَبَشِيًّا أسود أَعور أفطس أشل أعرج، لامْرَأَة من أهل مَكَّة، ثمَّ عمي بآخرة، وَلَكِن الْعلم وَالْعَمَل بِهِ رَفعه. وَمن غَرَائِبه أَنه يَقُول: إِذا أَرَادَ الْإِنْسَان سفرا لَهُ الْقصر قبل خُرُوجه من بَلَده، وَوَافَقَهُ طَائِفَة من أَصْحَاب ابْن مَسْعُود، وَخَالفهُ الْجُمْهُور. وَمن غَرَائِبه أَيْضا أَنه إِذا وَافق يَوْم عيد يَوْم جُمُعَة يصلى الْعِيد فَقَط، وَلَا ظهر وَلَا جُمُعَة فِي ذَلِك الْيَوْم. الْخَامِس: عبد اللَّه بن عَبَّاس.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته أَئِمَّة أجلاء. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ من رأى الصَّحَابَة اثْنَان. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ لَفْظَة: أشهد تَأْكِيدًا لتحققه ووثوقاً بِوُقُوعِهِ، لِأَن الشَّهَادَة خبر قَاطع، تَقول مِنْهُ: شهد الرجل على كَذَا. وَإِنَّمَا قَالَ: أشهد، بِلَفْظَة: على، لزِيَادَة التَّأْكِيد فِي وثاقته، لِأَنَّهُ يدل على الاستعلاء بِالْعلمِ عَن خُرُوجه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمَعَهُ بِلَال، إِذا كَانَ لفظ: أشهد، من قَول ابْن عَبَّاس، أَو على استعلاء الْعلم على سَمَاعه من ابْن عَبَّاس إِذا كَانَ لفظ: أشهد، من قَوْله عَطاء. لِأَن الرَّاوِي تردد فِي هَذِه اللَّفْظَة، هَل هِيَ من قَول ابْن عَبَّاس أَو من قَول عَطاء؟ وَرَوَاهُ أَيْضا بِالشَّكِّ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب. أخرجه أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) . وَأخرجه أَحْمد بن حَنْبَل عَن غنْدر عَن شُعْبَة جَازِمًا بِلَفْظ: أشهد عَن كل مِنْهُمَا.

بَيَان من أخرجه غَيره: وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن أبي عمر كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان، وَعَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَن حَمَّاد بن زيد عَن يَعْقُوب ابْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، ثَلَاثَتهمْ عَن أَيُّوب بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِيهَا عَن مُحَمَّد بن كثير وَحَفْص بن عمر، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن عبيد بن حسان عَن حَمَّاد بن زيد، وَعَن أبي معمر عَن عبد اللَّه بن عَمْرو، ومسدد، كِلَاهُمَا عَن عبد الْوَارِث عَنهُ بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، وَمعنى حَدِيثهمْ وَاحِد.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (بِالصَّدَقَةِ) ، وَهِي مَا تبذل من المَال لثواب الْآخِرَة، وَهِي تتَنَاوَل الْفَرِيضَة والتطوع، لَكِن الظَّاهِر أَن المُرَاد بهَا هُنَا هُوَ الثَّانِي. قَوْله: (القرط) ، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء: مَا يعلق فِي شحمة الْأذن، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: كل مَا فِي شحمة الْأذن فَهُوَ قرط سَوَاء كَانَ من ذهب أَو غَيره. وَفِي (البارع) : القرط يكون فِيهِ حَبَّة وَاحِدَة فِي حَلقَة وَاحِدَة. وَفِي (الْعباب) : وَالْجمع أقراط وقروط وقرطة وقراط، مِثَال: برد وأبراد وبرود، و: قلب وقلبة، و: رمح ورماح. و: (الْخَاتم) فِيهِ أَربع لُغَات: كسر التَّاء وَفتحهَا وخيتام وخاتام، الْكل بِمَعْنى وَاحِد.

بَيَان الْإِعْرَاب والمعاني: قَوْله: (خرج) ، جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر: أَن، أَي: خرج من بَين صُفُوف الرِّجَال إِلَى صف النِّسَاء. قَوْله: (وَمَعَهُ بِلَال) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني بِالْوَاو، وَفِي رِوَايَة غَيره: (مَعَه بِلَال) . بِلَا وَاو، وَهُوَ جَائِز بِلَا ضعف، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو} (الْبَقَرَة: ٣٦ والأعراف: ٢٤) وبلال: هُوَ ابْن رَبَاح، بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، الحبشي الْقرشِي، يكنى أَبَا عبد اللَّه أَو أَبَا عَمْرو أَو أَبَا عبد الرَّحْمَن أَو أَبَا عبد الْكَرِيم، وشهرته باسم أمه حمامة. قَوْله: (فَظن) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنه لم يسمع النِّسَاء) حِين أسمع الرِّجَال، وَفِي بعض النّسخ: فَظن أَنه لم يسمع، بِدُونِ لَفْظَة النِّسَاء، و: أَن مَعَ اسْمهَا وخبرها سدت مسد مفعولي: ظن. قَوْله: (فوعظهن) الْفَاء فِيهِ تصلح للتَّعْلِيل، (وأمرهن) عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (بِالصَّدَقَةِ) الْألف وَاللَّام فِيهَا للْعهد الْخَارِجِي، وَهِي صَدَقَة التَّطَوُّع، وَإِنَّمَا أمرهن بهَا لما رآهن أَكثر أهل النَّار، على مَا جَاءَ فِي الصَّحِيح: (تصدقن يَا معشر النِّسَاء، إِنِّي رأيتكن أَكثر أهل النَّار) . وَقيل: أمرهن بهَا لِأَنَّهُ كَانَ وَقت حَاجَة إِلَى الْمُوَاسَاة، وَالصَّدَََقَة يومئذٍ كَانَت أفضل وُجُوه الْبر. قَوْله: (فَجعلت الْمَرْأَة) جعلت: من أَفعَال المقاربة، وَهِي مثل: كَاد، فِي الِاسْتِعْمَال، ترفع الِاسْم، وَخَبره الْفِعْل الْمُضَارع بِغَيْر أَن، متأول باسم الْفَاعِل، وَقَوله: (القرط) بِالنّصب مفعول: (تلقي) من الْإِلْقَاء. (والخاتم) عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (وبلال) مُبْتَدأ (وَيَأْخُذ فِي أَطْرَاف ثَوْبه) خَبره، وَالْجُمْلَة حَالية، ومفعول: يَأْخُذ، مَحْذُوف.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ اسْتِحْبَاب وعظ النِّسَاء وتذكيرهن الْآخِرَة وَأَحْكَام الْإِسْلَام، وحثهن على الصَّدَقَة، وَهَذَا إِذا لم يَتَرَتَّب على

<<  <  ج: ص:  >  >>