وَحكى عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن أَنه كَانَ يحلف بِاللَّه لقد رأى مُحَمَّد ربه، وَحكى النقاش عَن أَحْمد: أَنا أَقُول بِحَدِيث ابْن عَبَّاس: بِعَيْنِه رَآهُ حَتَّى انْقَطع نفس أَحْمد. وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ وَجَمَاعَة من أَصْحَابه: أَنه رره ببصره وعيني رَأسه. وَقَالَ: كل آيَة أوتيها نَبِي من الْأَنْبِيَاء فقد أُوتِيَ مثلهَا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَخص من بَينهم بتفضيل الرُّؤْيَة.
فَإِن قلت: قَالَ الله تَعَالَى: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} (الْأَنْعَام: ٣٠١) . وَقَالَ: {لن تراني} (الْأَعْرَاف: ٣٤١) . قلت: المُرَاد بالإدراك الْإِحَاطَة وَنفي الْإِحَاطَة لَا يسْتَلْزم نفي نفس الرُّؤْيَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: لَا يُحِيط بِهِ، وَنحن نقُول بِهِ، وَقيل: لَا تُدْرِكهُ أبصار الْكفَّار، وَقيل: لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار، وَإِنَّمَا يُدْرِكهُ المبصرون، وَلَيْسَ فِي الشَّرْع دَلِيل قَاطع على اسْتِحَالَة الرُّؤْيَة وَلَا امتناعها، إِذْ كل مَوْجُود فرؤيته جَائِزَة غير مستحيلة. وَأما قَوْله: {لن تراني} (الْأَعْرَاف: ٣٤١) . فَمَعْنَاه: فِي الدُّنْيَا، وَذكر القَاضِي أَبُو بكر أَن مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رأى ربه، فَلذَلِك صعق، وَأَن الْجَبَل رأى ربه فَلذَلِك صَار دكاً، استنبطه من قَوْله: {وَلَكِن انْظُر إِلَى الْجَبَل فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَسَوف تراني} (الْأَعْرَاف: ٣٤١) . ثمَّ قَالَ: {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر مُوسَى صعقاً} (الْأَعْرَاف: ٣٤١) . فَرَآهُ الْجَبَل فَصَارَ دكا، وَرَآهُ مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَصعِقَ.
٥٣٢٣ - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ قَالَ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ بنُ أبِي زَائِدَةَ عنِ ابنِ الأشْوَعِ عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا فأيْنَ قَوْلُهُ {ثُمَّ دَنا فتَدَلَّى فَكانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى} (النَّجْم: ٨ ٩) . قالَتْ ذااكَ جِبْرِيلُ كانَ يأتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ وإنَّهُ أتاهُ هاذِهِ المَرَّةَ فِي صُورَتهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فسَدَّ الأُفُقَ. .
مُحَمَّد بن يُوسُف هَذَا هُوَ أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي، وَقد جزم بِهِ أَبُو عَليّ الجياني، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَابْن الأشوع، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْوَاو وَفِي آخِره عين مُهْملَة: واسْمه سعيد بن عَمْرو بن أَشوع نسب إِلَى جده، وَالشعْبِيّ عَامر بن شرَاحِيل، ومسروق بن الأجدع.
والْحَدِيث مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن نمير عَن أبي أُسَامَة نَحوه.
قَوْله: (فَأَيْنَ قَوْله) وَمعنى الْفَاء هُنَا: إِذا أنْكرت رُؤْيَته فَمَا معنى قَوْله: {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} (النَّجْم: ٨ ٩) . فَقَالَت: المُرَاد بِهِ قربه من جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. فَإِن قلت: ملاقاة جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَت دائمة. قلت: لجبريل صُورَة خَاصَّة خلق عَلَيْهَا لم يره رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي تِلْكَ الصُّورَة الخلقية إلَاّ هَذِه الْمرة، وَمرَّة أُخْرَى، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
٦٣٢٣ - حدَّثنا مُوساى قَالَ حدَّثنا جَريرٌ قَالَ حدَّثنا أبُو رَجاءٍ عنْ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيانِي قالَا الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مالِكٌ خازِنُ النَّارِ وَأنَا جِبْرِيلُ وهاذَا ميكَائيلُ. .
مُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَجَرِير بِفَتْح الْجِيم هُوَ ابْن حَازِم بن زيد أَبُو النَّصْر الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو رَجَاء اسْمه عمرَان بن ملْحَان، وَيُقَال: ابْن تيم، وَيُقَال: ابْن عبد الله العطاردي الْبَصْرِيّ، أدْرك زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره، وَأسلم بعد الْفَتْح، وأتى عَلَيْهِ مائَة وَعِشْرُونَ سنة. وَقيل: أَكثر من ذَلِك. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي بَاب مُجَرّد بعد: بَاب مَا قيل فِي أَوْلَاد الْمُشْركين، مطولا بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد.
٧٣٢٣ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوانَةَ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا دَعا الرَّجُلُ امْرَأتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فأبَتْ فَباتَ غَضْبانَ عَلَيْها لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ.
أَبُو عوَانَة الوضاح مضى عَن قريب، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سلمَان الْأَشْجَعِيّ، والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَأبي كريب