مصر إِذا عاينه الْإِنْسَان خر مغشياً عَلَيْهِ. وَمِنْهُم: الولهان، يُوجد فِي جزائر الْبَحْر وَهُوَ فِي صُورَة إِنْسَان رَاكب على نعَامَة يَأْكُل النَّاس الَّذين يقذفهم الْبَحْر، وَمِنْهُم: الشق، كَنِصْف آدَمِيّ بالطول زَعَمُوا أَن النسناس مركبه يظْهر للنَّاس فِي أسفارهم. وَمِنْهُم: من يأنس بالآدميين وَلَا يؤذيهم. وَمِنْهُم: من يختطف النِّسَاء الْأَبْكَار. وَمِنْهُم: من هُوَ فِي صُورَة الوزغ. وَمِنْهُم: من هُوَ على صُورَة الْكلاب.
النَّوْع السَّادِس: فِي وَجه تَسْمِيَة الْجِنّ بِهَذَا الإسم: قَالَ ابْن دُرَيْد: الْجِنّ خلاف الْإِنْس، يُقَال: جنه اللَّيْل وأجنه وجن عَلَيْهِ وغطاه فِي معنى وَاحِد: إِذا ستره، وكل شَيْء استتر عَنْك فقد جن عَنْك، وَبِه سميت الْجِنّ، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسمون الْمَلَائِكَة جناً لاستتارهم عَن الْعُيُون، وَالْجِنّ وَالْجنَّة وَاحِد، وَالْجنَّة مَا واراك من سلَاح، قَالَ: والحن بِالْحَاء الْمُهْملَة ضرب من الْجِنّ، قَالَ الراجز:
يلعبن أحوالي من حن وجن
وَقَالَ أَبُو عُمَيْر الزَّاهِد: الحن كلاب الْجِنّ وسفلتهم، وَوَقع فِي كَلَام السُّهيْلي: فِي النتائج أَن الْجِنّ يَشْمَل الْمَلَائِكَة وَغَيرهم مِمَّا اجتن عَن الْأَبْصَار.
النَّوْع السَّابِع: فِي بَيَان أَن الْجِنّ هَل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويتوالدون؟ وَلِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَال: الأول: أَن جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون، وَهَذَا قَول سَاقِط. الثَّانِي: أَن صنفا مِنْهُم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَصِنْفًا لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون. الثَّالِث: أَن جَمِيعهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ. وَاخْتلفُوا فِي صفة أكلهم وشربهم، فَقَالَ بَعضهم: أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لَا مضع وَلَا بلع، وَهَذَا قَول لَا يدل عَلَيْهِ دَلِيل، وَقَالَ آخَرُونَ: أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أُميَّة بن محشي، وَفِيه: مَا زَالَ الشَّيْطَان يَأْكُل مَعَه، فَلَمَّا ذكر الله تَعَالَى استقى مَا فِي بَطْنه. وَسُئِلَ وهب بن مُنَبّه عَن الْجِنّ: مَا هم؟ وَهل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويتوالدون ويموتون؟ فَقَالَ: هم أَجنَاس، فَأَما خَالص الْجِنّ فهم ريح لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَلَا يتناكحون وَلَا يتوالدون، وَمِنْهُم أَجنَاس يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون ويتوالدون مِنْهُم: السعالي والغول والقطرب وَغير ذَلِك، رَوَاهُ أَبُو عمر بِإِسْنَادِهِ عَنهُ.
النَّوْع الثَّامِن: فِي بَيَان تَكْلِيف الْجِنّ: قَالَ أَبُو عمر: الْجِنّ عِنْد الْجَمَاعَة مكلفون مخاطبون. لقَوْله تَعَالَى: {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس} (الْأَنْعَام: ٠٣١، والرحمن: ٣٣) . وَذكر عَن الحشوية أَنهم مضطرون إِلَى أفعالهم وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا بمكلفين، وعَلى القَوْل بتكليفهم: هَل لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب أم لَا؟ وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ على قَوْلَيْنِ: فَقيل: لَا ثَوَاب لَهُم إلَاّ النجَاة من النَّار، ثمَّ يُقَال لَهُم: كونُوا تُرَابا مثل الْبَهَائِم، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، حَكَاهُ ابْن حزم وَغَيره عَنهُ، وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا: حَدثنَا دَاوُد عَن عمر والضبي حَدثنَا عفيف بن سَالم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن لَيْث بن أبي سليم، قَالَ: ثَوَاب الْجِنّ أَن يجاروا من النَّار، ثمَّ يُقَال لَهُم: كونُوا تُرَابا. القَوْل الثَّانِي: أَنهم يثابون على الطَّاعَة ويعاقبون على الْمعْصِيَة، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَنقل أَيْضا عَن الشَّافِعِي وَأحمد، وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقَالَ: نعم، لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب. وَاتفقَ الْعلمَاء على أَن كَافِر الْجِنّ يعذب فِي الْآخِرَة لقَوْله تَعَالَى: {النَّار مثواكم} (الْأَنْعَام: ٨٢١) . وَاخْتلفُوا فِي مؤمني الْجِنّ، هَل يدْخلُونَ الْجنَّة؟ على أَرْبَعَة أَقْوَال: وَالْجُمْهُور على أَنهم يدْخلُونَهَا، حَكَاهُ ابْن حزم فِي (الْملَل) عَن ابْن أبي ليلى، وَأبي يُوسُف وَجُمْهُور النَّاس. قَالَ: وَبِه نقُول، ثمَّ اخْتلفُوا هَل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ؟ فروى سُفْيَان الثَّوْريّ فِي (تَفْسِيره) عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك أَنهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ، وَعَن مُجَاهِد أَنهم يدْخلُونَهَا وَلَكِن لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون ويلهمون من التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس مَا يجده أهل الْجنَّة من لَذَّة الطَّعَام وَالشرَاب، وَذهب الْحَارِث المحاسبي إِلَى أَنهم يدْخلُونَ الْجنَّة، نراهم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يروننا عكس مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. القَوْل الثَّانِي: إِنَّهُم لَا يدْخلُونَ الْجنَّة بل يكونُونَ فِي ربضها يراهم الْإِنْس من حَيْثُ لَا يرونهم، وَهَذَا القَوْل مأثور عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد، حَكَاهُ ابْن تَيْمِية، وَهُوَ خلاف مَا حَكَاهُ ابْن حزم. القَوْل الثَّالِث: أَنهم على الْأَعْرَاف. القَوْل الرَّابِع: الْوَقْف. وروى الْحَافِظ أَبُو سعيد عَن عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن الكنجرودي فِي (أَمَالِيهِ) بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْحسن عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن مؤمني الْجِنّ لَهُم ثَوَاب وَعَلَيْهِم عِقَاب) . فسألنا عَن ثوابهم، فَقَالَ: على الْأَعْرَاف، وَلَيْسوا فِي الْجنَّة. فَقَالُوا: مَا الْأَعْرَاف؟ قَالَ: حَائِط الْجنَّة تجْرِي مِنْهُ الْأَنْهَار وتنبت فِيهِ الْأَشْجَار وَالثِّمَار، وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر جدا، ثمَّ إِن مؤمني الْجِنّ إِذا دخلُوا الْجنَّة هَل يرَوْنَ الله تَعَالَى؟ فقد وَقع فِي كَلَام عبد السَّلَام فِي (الْقَوَاعِد الصُّغْرَى) مَا يدل على أَنهم لَا يرَوْنَ الله تَعَالَى. وَأَن الرُّؤْيَة مَخْصُوصَة بمؤمني الْبشر، فَإِنَّهُ صرح بِأَن الْمَلَائِكَة لَا يرَوْنَ الله تَعَالَى فِي الْجنَّة، وَمُقْتَضى هَذَا أَن الْجِنّ لَا يرونه.
النَّوْع التَّاسِع: هَل كَانَ فيهم نَبِي مِنْهُم أَو لَا؟ فروى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute