وَهُوَ الَّذِي نسخ، وكلاب الْبَوَادِي لم يرد فِيهَا قتل وَلَا نسخ، وَظَاهر الحَدِيث يدل عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَو وَجب قَتله لما وَجب سقيه، وَلَا يجمع عَلَيْهِ حر الْعَطش وَالْمَوْت، كَمَا لَا يفعل بالكافر العَاصِي، فَكيف بالكلب الَّذِي لم يعْص؟ وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما أَمر بقتل يهود شكوا الْعَطش، فَقَالَ: لَا تجمعُوا عَلَيْهِم حر السَّيْف والعطش، فسُقُوا ثمَّ قُتِلوا.
٤٢٣٣ - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ يَحْيَى قَالَ حدَّثني أبُو سلَمَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حدَّثَهُ قالَ قالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ أمْسَكَ كَلْبَاً يَنْقُصْ مِنْ عَمَلِهِ كلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إلَاّ كَلْبَ حَرْثٍ أوْ كَلْبَ ماشِيَةٍ. (انْظُر الحَدِيث ٢٢٣٢) .
يحيى هُوَ ابْن أبي كثير، والْحَدِيث مر فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي: بَاب اقتناء الْكَلْب للحرث، وَمر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، وَقد ذكرنَا أَن القيراط لَهُ أصل لمقدار مَعْلُوم عِنْد الله تَعَالَى، وَالْمرَاد نقص جُزْء من أَجزَاء عمله. وَأما التَّوْفِيق بَين قِيرَاط فِي هَذَا الحَدِيث، وَبَين قيراطين فِي رِوَايَة أُخْرَى فباعتبار التَّغْلِيظ فِي القيراطين لما لم ينْتَه النَّاس، أَو بِاعْتِبَار كَثْرَة الْأَذَى من الْكَلْب وقلته، أَو باخْتلَاف الْمَوَاضِع فالقيراطان فِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة لزِيَادَة فَضلهَا، والقيراط فِي غَيرهَا، أَو القيراطان فِي الْمَدِينَة والقيراط فِي الْبَوَادِي، وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ: اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِمَا ينقص مِنْهُ، فَقيل: ينقص مِمَّا مضى من عمله، وَقيل: من مستقبله. وَاخْتلفُوا فِي مَحل نقصانها، فَقيل: قِيرَاط من عمل النَّهَار، وقيراط من عمل اللَّيْل، وَقيل: قِيرَاط من عمل الْفَرْض وقيراط من النَّفْل، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أقرب مَا قيل فِي ذَلِك قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن جَمِيع مَا عمله من عمل ينقص لمن اتخذ مَا نهى عَنهُ من الْكلاب، بِإِزَاءِ كل يَوْم يمسِكهُ جزآن من أَجزَاء ذَلِك الْعَمَل، وَقيل: من عمل ذَلِك الْيَوْم الَّذِي يمسِكهُ فِيهِ. الثَّانِي: يحط من عمله عملان، أَو من عمل يَوْم إِمْسَاكه، عُقُوبَة لَهُ على مَا اقتحم من النَّهْي. قَوْله: (إلَاّ كلب حرث) وَهُوَ الزَّرْع، والماشية اسْم يَقع على جَمِيع الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْغنم.
٥٢٣٣ - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ قَالَ أخبَرَنِي يَزِيدُ بنُ خُصَيْفَةَ قالَ أخْبَرَنِي السَّائِبُ بنُ يَزِيدَ سَمِعَ سُفْيَانَ بنَ أبِي زُهَيْرٍ الشَّنْئيَّ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ مَنِ اقْتَنَى كلْباً لَا يُغْنى عنْهُ زَرْعاً وَلا ضَرْعاً نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قيرَاطٌ فَقَالَ السَّائِبُ أنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إيْ ورَبِّ هَذِهِ القِبْلَةِ. (انْظُر الحَدِيث ٣٢٣٢) .
الحَدِيث مر فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي: بَاب اقتناء الْكَلْب للزِّرَاعَة. وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن خصيفَة، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء، وَقد مر فِيمَا مضى، والسائب من السيب ابْن يزِيد من الزِّيَادَة مر فِي الْوضُوء (والشنئي) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وبالنون والهمزة: نِسْبَة إِلَى شنُوءَة.
قَوْله: (أَي:) ، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء حرف: جَوَاب بِمَعْنى: نعم، فَيكون لتصديق الْخَبَر والإعلام المستخبر ولوعد الطَّالِب، وَزعم ابْن الْحَاجِب أَنَّهَا إِنَّمَا تقع بعد الِاسْتِفْهَام، وَاتفقَ الْجَمِيع على أَنَّهَا لَا تقع إلَاّ قبل الْقسم، كَمَا وَقع هُنَا قبل قَوْله: (وَرب هَذِه الْقبْلَة) وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لَا تعلق لبَعض هَذِه الْأَحَادِيث بترجمة الْبَاب؟ قلت: هَذَا آخر كتاب البدء، فَذكر فِيهِ مَا ثَبت عِنْده مِمَّا يتَعَلَّق بالمخلوقات، وَذكر صَاحب (التَّوْضِيح) أَن ذكر أَحَادِيث الْكَلْب هُنَا لما أُتِي عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره: أَنَّهَا من الْجِنّ، والترجمة قريبَة من الْجِنّ. انْتهى. قلت: أما مَا ذكره الْكرْمَانِي فبعيد جدا، لِأَنَّهُ لَا تعلق لَهَا أصلا بالترجمة، وَكَونهَا مِمَّا يتَعَلَّق بالمخلوقات لَا يَقْتَضِي الْمُنَاسبَة لذكرها فِي هَذِه التَّرْجَمَة، وَهَذَا بعيد جدا، وَأما مَا ذكره صَاحب (التَّوْضِيح) فأبعد مِنْهُ جدا، لِأَن كَونهَا من الْجِنّ يَقْتَضِي ذكرهَا فِي: بَاب الْجِنّ، وَكَيف يكون قرب هَذِه من: بَاب ذكر الْجِنّ، وَبَينه وَبَين التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة ثَلَاثَة أَبْوَاب؟ وبمثل هَذَا لَا تقع الْمُطَابقَة. وَالْجَوَاب الموجه مَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ: أَن هَذِه التَّرْجَمَة، وَهِي قَوْله: بَاب إِذا وَقع الذُّبَاب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute