بن نَافِع عَن عمر ابْن عَليّ الْمقدمِي، وَعَن عبد بن حميد عَن يزِيد بن هَارُون عَن شُعْبَة، الثَّلَاثَة عشر كلهم عَن هِشَام بن عُرْوَة بِهِ، وَعَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن ابْن وهب عَن عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح وَحده بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْعلم عَن هَارُون بن إِسْحَاق الْهَمدَانِي عَن عَبدة بن سُلَيْمَان بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عبد الله بن عمر، وَعَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل هَذَا. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ بِهِ، وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، كِلَاهُمَا عَن هِشَام بن عُرْوَة بِهِ. قَالَ عبد الْوَهَّاب: فَلَقِيت هشاماً فَحَدثني عَن أَبِيه عَنهُ بِهِ، وَعَن أَبِيه مثله. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن أبي كريب عَن عبد اللَّه بن إِدْرِيس وَعَبدَة بن سُلَيْمَان وَأبي مُعَاوِيَة وَعبد اللَّه بن نمير وَمُحَمّد بن بشر، وَعَن سُوَيْد بن سعيد عَن مَالك وَعلي بن مسْهر وَحَفْص بن ميسرَة وَشُعَيْب بن إِسْحَاق، تسعتهم عَن هِشَام بن عُرْوَة بِهِ.
بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (يَقُول) ، جملَة وَقعت حَالا، وَإِنَّمَا ذكر بِلَفْظ الْمُضَارع حِكَايَة لحَال الْمَاضِي واستحضاراً لَهُ، وإلَاّ فَالْأَصْل أَن يُقَال: قَالَ: ليطابق: سَمِعت. قَوْله:(لَا يقبض الْعلم) جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر إِن. قَوْله:(انتزاعاً) يجوز فِي نَصبه أوجه. الأول: أَن يكون مَفْعُولا مُطلقًا عَن معنى يقبض، نَحْو: رَجَعَ الْقَهْقَرَى، وَقعد جُلُوسًا. الثَّانِي: أَن يكون مَفْعُولا مُطلقًا مقدما على فعله، وَهُوَ: ينتزعه. وَيكون: ينتزعه، حَالا من الضَّمِير فِي: يقبض، تَقْدِيره: إِن الله لَا يقبض الْعلم حَال كَونه ينتزعه انتزاعاً من الْعباد. الثَّالِث: أَن يكون حَالا من الْعلم بِمَعْنى: منتزعاً، تَقْدِيره: إِن الله لَا يقبض الْعلم حَال كَونه منتزعاً. فَإِن قلت: على هَذَا مَا يَقع ينتزعه؟ قلت: قيل: يكون ينتزعه جَوَابا عَمَّا يُقَال: مِمَّن ينتزع الْعلم؟ وَفِيه نظر، والأصوب أَن يكون فِي مَحل النصب صفة، إِمَّا لانتزاعاً، أَو لمنتزعاً من الصِّفَات المبينة. قَوْله:(وَلَكِن) للاستدراك. وَقَوله:(يقبض الْعلم) من قبيل إِقَامَة الْمظهر مَوضِع الْمُضمر لزِيَادَة تَعْظِيم الْمُضمر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الله الصَّمد}(الْإِخْلَاص: ٢) بعد قَوْله: {قل هُوَ الله أحد}(الْإِخْلَاص: ١) وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يُقَال: هُوَ الصَّمد، كَمَا أَن الْمُقْتَضى هُنَا: وَلَكِن يقبضهُ. قَوْله:(حَتَّى) ابتدائية دخلت على الْجُمْلَة، تدل على أَن ذَلِك وَاقع بالتدريج، كَمَا أَن إِذا تدل على أَنه وَاقع لَا محَالة، و: إِذا ظرفية، وَالْعَامِل فِيهَا: اتخذ، وَيحْتَمل أَن تكون شَرْطِيَّة. فَإِن قلت: إِذا للاستقبال وَلم لقلب الْمُضَارع مَاضِيا، فَكيف يَجْتَمِعَانِ؟ قلت: لما تَعَارضا تساقطا فَبَقيَ على أَصله وَهُوَ الْمُضَارع، أَو تعادلا فَيُفِيد الِاسْتِمْرَار. فَإِن قلت: إِذا كَانَت شَرْطِيَّة يلْزم من انْتِفَاء الشَّرْط انْتِفَاء الْمَشْرُوط، وَمن وجود الْمَشْرُوط وجود الشَّرْط، لكنه لَيْسَ كَذَلِك لجَوَاز حُصُول الاتخاذ مَعَ وجود الْعلم. قلت: ذَلِك فِي الشُّرُوط الْعَقْلِيَّة، أما فِي غَيرهَا فَلَا نسلم اطراد هَذِه الْقَاعِدَة، ثمَّ ذَلِك الاستلزام إِنَّمَا هُوَ فِي مَوضِع لم يكن للشّرط بدل، فقد يكون لمشروط وَاحِد شُرُوط متعاقبة: كصحة الصَّلَاة بِدُونِ الْوضُوء عِنْد التَّيَمُّم، أَو المُرَاد بِالنَّاسِ جَمِيعهم، فَلَا يَصح أَن الْكل اتَّخذُوا رؤوساً جُهَّالًا إلَاّ عِنْد عدم بَقَاء الْعَالم مُطلقًا، وَذَلِكَ ظَاهر. قَوْله:(لم يبْق) بِفَتْح حرف المضارعة من الْبَقَاء. وَقَوله:(عَالم) بِالرَّفْع، فَاعله، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ:(لم يبْق عَالما) بِضَم حرف المضارعة من الْإِبْقَاء، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الله، (وعالماً) : مَنْصُوب بِهِ. وَفِي رِوَايَة مُسلم:(حَتَّى إِذا لم يتْرك عَالما) . قَوْله:(اتخذ) أَصله: ائتخذ، فقلبت الْهمزَة ثمَّ ادغمت التَّاء فِي التَّاء، و:(النَّاس) بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله:(رؤوساً) بِضَم الْهمزَة وبالتنوين جمع رَأس، قَالَ النَّوَوِيّ: ضبطناه بِضَم الْهمزَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:(رُؤَسَاء) بِفَتْح الْهمزَة وَفِي آخِره همزَة أُخْرَى مَفْتُوحَة، جمع رَئِيس، وَالْأول أشهر. قَوْله:(جُهَّالًا) بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء الْمُشَدّدَة: جمع جَاهِل، صفة لرؤوساً. قَوْله:(فسئلوا) بِضَم السِّين وَالضَّمِير فِيهِ، مفعول نَاب عَن الْفَاعِل، أَي: فَسَأَلَهُمْ السائلون فافتوا لَهُم. قَوْله:(فضلوا) عطف على: فافتوا، وَهُوَ من الضلال، و:(اضلوا) من الإضلال، يَعْنِي: فضلوا فِي أنفسهم وأضلوا السَّائِلين. فَإِن قلت: الضلال مُتَقَدم على الْإِفْتَاء، فَمَا معنى الْفَاء؟ قلت: الْمَجْمُوع الْمركب من الضلال والإضلال هُوَ متعقب على الْإِفْتَاء وَإِن كَانَ الْجُزْء الأول مقدما عَلَيْهِ إِذْ الضلال الَّذِي بعد الْإِفْتَاء غير الضلال الَّذِي قبله. فَإِن قلت: الإضلال ظَاهر، وَأما الضلال فَإِنَّمَا يلْزم أَن لَو عمل بِمَا افتى وَقد لَا يعْمل بِهِ، قلت: إِن إضلاله للْغَيْر ضلال لَهُ عمل بِمَا أفتى أَو لم يعْمل.
بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: (إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعاً) أَي: إِن الله لَا يقبض الْعلم من بَين النَّاس على سَبِيل أَن يرفعهُ من بَينهم إِلَى السَّمَاء، أَو يمحوه من صُدُورهمْ، بل يقبضهُ بِقَبض أَرْوَاح الْعلمَاء وَمَوْت حَملته. وَقَالَ ابْن بطال: مَعْنَاهُ أَن الله لَا ينْزع