للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله إِلَيْهِم إلْيَاس رَسُولا، وَكَانَ إلْيَاس مَعَ ملك من مُلُوك بني إِسْرَائِيل اسْمه: جاب، وَله امْرَأَة اسْمهَا أزبيل، وَكَانَ يسمع مِنْهُ ويصدقه، وَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل قد اتَّخذُوا صنماً يُقَال لَهُ: بعل، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: سَمِعت بعض أهل الْعلم يَقُول: مَا كَانَ بعل إلَاّ امْرَأَة يعبدونها من دون الله، فَجعل إلْيَاس يَدعُوهُم إِلَى الله وهم لَا يسمعُونَ مِنْهُ شَيْئا إلَاّ مَا كَانَ من ذَلِك الْملك، ثمَّ إِنَّه قَالَ يَوْمًا لإلياس: وَالله مَا أرى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ إلَاّ بَاطِلا، وَالله مَا أَدْرِي فلَانا وَفُلَانًا، فعدد ملوكاً مثله من مُلُوك بني إِسْرَائِيل مُتَفَرّقين بِالشَّام يعبودن الْأَوْثَان، إلَاّ على مثل مَا نَحن عَلَيْهِ: يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ مَا ينقص دنياهم فيزعمون أَن إلْيَاس اسْترْجع ثمَّ رفضه، وَخرج عَنهُ وَفعل ذَلِك الْملك مَا فعل أَصْحَابه من عبَادَة الْأَوْثَان، فَقَالَ إلْيَاس: أللهم إِن بني إِسْرَائِيل قد أَبَوا إلَاّ الْكفْر فَذكر لي أَنه أوحى إِلَيْهِ أَنا جعلنَا أَمر أَرْزَاقهم بِيَدِك حَتَّى تكون أَنْت الَّذِي تَأذن لَهُم فِي ذَلِك، فَقَالَ إلْيَاس: أللهم أمسك عَنْهُم الْمَطَر، فحبس عَنْهُم ثَلَاث سِنِين حَتَّى هَلَكت الْمَوَاشِي والهوام وَالشَّجر، وَلما دَعَا عَلَيْهِم استخفى شَفَقَة على نَفسه مِنْهُم، فَكَانَ حَيْثُ مَا كَانَ وضع لَهُ رزق، وَكَانُوا إِذا وجدوا ريح الْخبز فِي مَكَان قَالُوا: لقد دخل النَّاس هَذَا الْمَكَان فيطلبونه ويلقى أهل ذَلِك الْمنزل مِنْهُم شرا، ثمَّ إِنَّه اسْتَأْذن الله فِي الدُّعَاء لَهُم، فَأذن لَهُ، فَجَاءَهُمْ فَقَالَ: إِن كُنْتُم تجيبون أَن الَّذِي أدعوكم إِلَيْهِ هُوَ الْحق وأنكم على بَاطِل فأخرجوا أوثانكم وَمَا تَعْبدُونَ واجأروا إِلَيْهِم، فَإِن اسْتَجَابُوا لكم فَهُوَ كَمَا تَقولُونَ، وَإِن هِيَ لم تفعل علمْتُم أَنكُمْ على بَاطِل، وادعو الله تَعَالَى إِلَى أَن يفرج عَنْكُم مَا أَنْتُم فِيهِ. قَالُوا: أنصفت، فَخَرجُوا بأوثانهم فدعوها فَلم تستجب لَهُم، فعرفوا مَا هم عَلَيْهِ من الضَّلَالَة، ثمَّ سَأَلُوا إلْيَاس الدُّعَاء فَدَعَا ربه، قَالَ: فَمُطِرُوا بساعتهم فحسنت بِلَادهمْ فَلم يبرجوا وَلم يرجِعوا وَأَقَامُوا على أَخبث مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَدَعَا الله تَعَالَى أَن يقبضهُ، فَكَسَاهُ الريش وَألبسهُ النُّور وَقطع عَنهُ لَذَّة الْمطعم وَالْمشْرَب، فَكَانَ إنسياً ملكياً أرضياً سماوياً يطير مَعَ الْمَلَائِكَة، وَذكر الْحَاكِم عَن أنس مصححاً: أَنه اجْتمع مَعَ سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بعض السفرات، وَخَالفهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَصْحِيحه. قَوْله: (إِذْ قَالَ) أَي: اذكر حِين قَالَ إلْيَاس لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُون عَذَاب الله بِالْإِيمَان بِهِ؟ قَوْله: (أَتَدعُونَ بعلاً) ، أَي: أتعبدون بعلاً، وَهُوَ اسْم لصنم كَانَ لَهُم يعبدونه فَلذَلِك سميت مدينتهم: بعلبك، وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالسُّديّ: البعل الرب بلغَة أهل الْيمن، وَهِي رِوَايَة سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، وَكَانَ من ذهب، طوله عشرُون ذِرَاعا وَله أَرْبَعَة أوجه فتنُوا بِهِ وعظموه، وَله أَرْبَعمِائَة سَادِن جعلوهم أَنْبيَاء، فَكَانَ إِبْلِيس لَعنه الله تَعَالَى يدْخل فِي جَوْفه وَيتَكَلَّم بشريعة الضَّلَالَة والسدنة يحفظونها ويعلمونها النَّاس وهم أهل بعلبك من بِلَاد الشَّام. قَوْله: (وتذرون) أَي: تتركون (الله أحسن الْخَالِقِينَ) فَلَا تَعْبدُونَ الله ربكُم، قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَخلف وَيَعْقُوب: الله، بِالنّصب وينصبون: ربكُم وَرب آبائكم، على الْبَدَل، وَالْبَاقُونَ برفعها على الِاسْتِئْنَاف. قَوْله: (فَكَذبُوهُ) أَي: إلْيَاس. قَوْله: (فَإِنَّهُم لمحضرون) فِي الْعَذَاب وَالنَّار إلَاّ عباد الله المخلصين من قومه فَإِنَّهُم نَجوا من الْعَذَاب. قَوْله: {سَلام على الياسين} (الصافات: ٠٣١) . قَرَأَ ابْن عَامر وَنَافِع وَيَعْقُوب: آل ياسين، بِالْمدِّ وَالْبَاقُونَ إلياسين بِالْقطعِ والقطر فَمن قَرَأَ: آل ياسين، بِالْمدِّ فَإِنَّهُ أَرَادَ آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: أَرَادَ الياس وَهُوَ إليق بسياق الْآيَة، وَمن قَرَأَ: الياسين، فقد قيل: إِنَّهَا لُغَة فِي إلْيَاس مثل: إِسْمَاعِيل وإسماعين وَمِيكَائِيل وميكائين، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قرىء على: إلياسين وإدريسين وإدراسين على أَنَّهَا لُغَات فِي إلْيَاس وَإِدْرِيس، وَلَعَلَّ لزِيَادَة الْيَاء وَالنُّون فِي السريانية معنى، وَعَن بَعضهم أَنه قرىء: إلْيَاس، بترك الْهمزَة فِي ألف: إلْيَاس، وَيجْعَل الْألف وَاللَّام داخلين على: ياس، للتعريف وَيَقُولُونَ كَانَ اسْمه: ياس فَدخلت عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام.

ويُذْكَرُ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ وابنِ عَبَّاسٍ أنَّ إلْيَاسَ هُوَ إدْرِيسُ

ذكره مُعَلّقا بِصِيغَة التمريض، وَوصل تَعْلِيق عبد الله بن مَسْعُود: عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَنهُ، وَتَعْلِيق ابْن عَبَّاس وَصله جرير فِي (تَفْسِيره) عَن الضَّحَّاك عَنهُ، وَاسْتدلَّ بِهَذَا ابْن الْعَرَبِيّ: أَن إِدْرِيس لم يكن جدا لنوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَإِنَّمَا هُوَ من بني إِسْرَائِيل، لِأَن إلْيَاس قد ورد أَنه من بني إِسْرَائِيل، وَاسْتدلَّ على ذَلِك أَيْضا بقوله عَلَيْهِ السَّلَام للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْمِعْرَاج: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح، وَالْأَخ الصَّالح، وَلَو كَانَ من أحد أجداده لقَالَ لَهُ، كَمَا قَالَ لَهُ آدم وَإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِمَا السَّلَام: بالابن الصَّالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>