وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: قَول الله تَعَالَى، وأوله:{وَاذْكُر أَخا عَاد إِذْ أنذر قومه بالأحقاف وَقد خلت النّذر من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه أَلا تعبدوا إلَاّ الله إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم. قَالُوا أجئتنا لتأفكنا عَن آلِهَتنَا فاتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين قَالَ إِنَّمَا الْعلم عِنْد الله وأبلغكم مَا أرْسلت بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُم قوما تجهلون فَلَمَّا رَأَوْهُ عارضاً مُسْتَقْبل أَوْدِيَتهمْ قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا بل هُوَ مَا استعجلتم بِهِ ريح فِيهِ عَذَاب إليم تدمر كل شَيْء بِأَمْر رَبهَا فَأَصْبحُوا لَا ترى إلَاّ مساكنهم كَذَلِك نجزي الْقَوْم الْمُجْرمين}(الْأَحْقَاف: ١٢ ٥٢) . قَوْله:(وَاذْكُر) يَعْنِي: يَا مُحَمَّد. قَوْله:(أَخا عَاد) أَي: فِي النّسَب لَا فِي الدّين. قَوْله:(بالأحقاف) جمع حقف، بِكَسْر الْحَاء: وَهُوَ رمل مستطيل مُرْتَفع فِيهِ اعوجاج، من احقوقف الشَّيْء إِذا اعوجَّ، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْأَحْقَاف وَاد بَين عمان ومهرة، وَعَن مقَاتل: كَانَ منَازِل عَاد بِالْيمن فِي حَضرمَوْت بِموضع يُقَال لَهَا مهرَة، إِلَيْهَا تنْسب الْجمال المهرية، وَعَن الضَّحَّاك: الْأَحْقَاف جبال بِالشَّام، وَعَن مُجَاهِد: هِيَ أَرض حسمى، وَعَن قَتَادَة: ذكر لنا أَن عاداً كَانُوا حَيا بِالْيمن أهل رمال مشرفين على الْبَحْر بِأَرْض من بِلَاد الْيمن يُقَال لَهَا: الشحر، وَعَن الْخَلِيل: هِيَ الرمال الْعِظَام، وَعَن الْكَلْبِيّ: أحقاف الْجَبَل مَا نصب عَلَيْهِ المَاء زمَان الْغَرق كَانَ ينضب المَاء وَيبقى أَثَره. قَوْله:(النّذر) ، جمع نَذِير بِمَعْنى مُنْذر قَوْله:(من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه) الْمَعْنى: مَضَت المنذرون من بَين يَدَيْهِ، أَي: من قبل هود، وَمن خَلفه، وَالْمعْنَى: أَن الرُّسُل الَّذين بعثوا قبله وَالَّذين بعثوا فِي زَمَانه وَالَّذين يبعثون بعده كلهم منذرون نَحْو إنذاره. قَوْله:(أَلا تعبدوا) ، يَعْنِي: إِنْذَارهم بقَوْلهمْ أَلا تعبدو إلَاّ الله وَحده لَا شريك لَهُ. قَوْله:(إِنِّي أَخَاف) يَعْنِي: إِنْذَارهم بقَوْلهمْ أَلا تعبدوا إلَاّ الله وَحده لَا شريك لَهُ. قَوْله:(إِنِّي أَخَاف) إِلَى آخر الْآيَة كَلَام هود. قَوْله:(قَالُوا) أَي: قوم هود. قَوْله:(لتأفكنا) أَي: لتصرفنا عَن آلِهَتنَا إِلَى دينك، وَهَذَا لَا يكون. قَوْله:(فاتنا) خطاب لهود أَي: هَات لنا من الْعَذَاب الَّذِي توعدنا بِهِ على الشّرك إِن كنت من الصَّادِقين فِيمَا تَقول. قَوْله:(قَالَ) ، أَي: هود، إِنَّمَا الْعلم عِنْد الله بِوَقْت مَجِيء الْعَذَاب لَا عِنْدِي، وأبلغكم مَا أرْسلت بِهِ، أَي: الَّذِي أمرت بتبليغه إِلَيْكُم وَلَيْسَ فِيهِ تعْيين وَقد الْعَذَاب، وَلَكِنَّكُمْ جاهلون لَا تعلمُونَ أَن الرُّسُل لم يبعثوا إلَاّ منذرين لَا معترضين، وَلَا سائلين غير مَا أذن لَهُم فِيهِ. قَوْله:(فَلَمَّا رَأَوْهُ) أَي: فَلَمَّا رَأَوْا مَا يوعدون بِهِ قَالُوا: هَذَا عَارض، أَي: سَحَاب عرض فِي أفق السَّمَاء بمطر لنا مِنْهُ، قَالَ هود: بل هُوَ مَا استعجلتم بِهِ، هِيَ ريح فِيهَا عَذَاب أَلِيم تدمر، أَي: تهْلك كل شَيْء من نفوس عَاد وَأَمْوَالهمْ بِإِذن رَبهَا قَوْله: (فَأَصْبحُوا لَا تُرى) قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَيَعْقُوب: ترى، بِضَم التَّاء وَرفع: مساكنهم، قَالَ الْكسَائي: مَعْنَاهُ: لَا ترى شَيْء إلَاّ مساكنهم، وَقَالَ الْفراء: لَا ترى النَّاس لأَنهم كَانُوا تَحت الرمل، وَإِنَّمَا ترى مساكنهم لِأَنَّهَا قَائِمَة. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح التَّاء وَنصب: مساكنهم، على معنى: لَا ترى يَا مُحَمَّد إلَاّ مساكنهم قَوْله: (كَذَلِك نجزي الْقَوْم الْمُجْرمين) أَي: من أجرم مثل جرمهم، وَهَذَا تحذير لمشركي الْعَرَب.
ومختصر قصَّة هود: أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما دَعَا على قومه أرسل الله الرّيح عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوماً أَي: متتابعة، أَي ابتدأت غدْوَة الْأَرْبَعَاء وسكنت فِي آخر الثَّامِن،