وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج:(أشعرت أَن الله كبت الْكَافِر وَأَخْدَم وليدة) أَي: جَارِيَة للْخدمَة، وَمعنى: كبت: رده الله خاسئاً. قَوْله:(قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَتلك أمكُم يَا بني مَاء السَّمَاء) أَرَادَ بهم الْعَرَب، لأَنهم يعيشون بالمطر ويتبعون مواقع الْقطر فِي الْبَوَادِي لأجل الْمَوَاشِي.
وَفِيه: حجَّة لمن يَدعِي أَن الْعَرَب كلهم من ولد إِسْمَاعِيل، وَيُقَال: أَرَادَ بِهِ: مَاء زَمْزَم، إِذْ أنبطها الله تَعَالَى لهاجر فعاشوا بهَا فصاروا كَأَنَّهُمْ أَوْلَادهَا، وَقَالَ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : كل من كَانَ لَهُ من ولد إِسْمَاعِيل يُقَال لَهُ: ابْن مَاء السَّمَاء، لِأَن إِسْمَاعِيل ولد هَاجر وَقد رَبِّي بِمَاء زَمْزَم وَهِي من مَاء السَّمَاء، وَقيل: سموا بذلك لخلوص نسبه وصفائه، فَأشبه مَاء السَّمَاء، وَقَالَ عِيَاض: وَالْأَظْهَر عِنْدِي أَنه أَرَادَ بذلك الْأَنْصَار، نسبهم إِلَى جدهم عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة القطريف بن امريء الْقَيْس البطريق بن ثَعْلَبَة بن مَازِن من الأزد بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وعامر هَذَا هُوَ جد الْأَوْس والخزرج ابْنا حَارِثَة بن ثَعْلَبَة العنقاء بن عَمْرو بن مزيقيا بن عَامر مَاء السَّمَاء. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَمَا ذكره إِنَّمَا يَأْتِي على الشاذ أَن الْعَرَب جَمِيعهَا من ولد إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إلَاّ قبائل استثنيت، أما الْأَنْصَار فليسوا من ولد إِسْمَاعِيل بن هَاجر، وَلَا يعلم لَهَا ولد غَيره. قلت: قَالَ الرشاطي: إِن الْأَنْصَار جزآن: الْأَوْس والخزرج أَخَوان رفعنَا نسبهما فِي: بَاب الْأَنْصَار، فذكرناها كَمَا ذكرهمَا الْآن، وأمهما: قيلة بنت الأرقم بن عَمْرو بن جَفْنَة، وَقيل: قيلة بنت كَاهِل بن عذرة بن سعد بن قضاعة، حكى ذَلِك ابْن الْكَلْبِيّ والهمداني، وسنستقصي الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، عِنْد انتهائنا إِلَى بَاب ذكره البُخَارِيّ بقوله: بَاب نِسْبَة الْيمن إِلَى إِسْمَاعِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالله أعلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:(على إِبْرَاهِيم) وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ من أكبر مَشَايِخ البُخَارِيّ وَكَأَنَّهُ شكّ فِي سَمَاعه هَذَا الحَدِيث مِنْهُ، وَتحقّق أَنه سَمعه من مُحَمَّد بن سَلام، فَأوردهُ على هَذَا الْوَجْه، وَقد وَقع لَهُ نَظِير هَذَا فِي أَمَاكِن، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، وَعبد الحميد بن جُبَير مصغر الْجَبْر ضد الْكسر ابْن شيبَة بن عُثْمَان الحَجبي الْمَعْدُود فِي أهل الْحجاز، وَأم شريك اسْمهَا غزيَّة أَو غزيلة.
والْحَدِيث مر فِي كتاب بَدْء الْخلق فِي: بَاب خير مَال الْمُسلم غنم يتبع بهَا شعف الْجبَال، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله:(عَن أم شريك) ، وَفِي رِوَايَة أبي عَاصِم: إِحْدَى نسَاء بني عَامر بن لؤَي، وَلَفظ الْمَتْن: أَنَّهَا استأمرت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي قتل الوزغات فَأمر بقتلهن، وَلم يذكر الزِّيَادَة، والوزغات بِالْفَتْح جمع وزغة بِالْفَتْح أَيْضا، وَذكر بعض الْحُكَمَاء: أَن الوزغ أَصمّ أبرص وَأَنه لَا يدْخل بَيْتا فِيهِ زعفران، وَأَنه يلقح بِفِيهِ، وَأَنه يبيض، وَيُقَال لكبارها: سَام أبرص بتَشْديد الْمِيم، ويمج فِي الْإِنَاء فينال الْإِنْسَان من ذَلِك مَكْرُوه عَظِيم، وَإِذا تمكن من الْملح تمرغ فِيهِ، وَيصير ذَلِك مَادَّة لتولد البرص، وينحجز فِي الشتَاء أَرْبَعَة أشهر لَا يَأْكُل شَيْئا كالحية، وَبَينه وَبَين الْحَيَّة إلفة كإلفة العقارب والخنافس.