أَن يُقَال فِيهِ: كن رتقاً، لِأَن السَّمَوَات جمع وَالْأَرْض فِي حكم الْجمع، وَلكنه جعل كل وَاحِد مِنْهُمَا كواحدة، فَقيل: كَانَتَا، بِلَفْظ التَّثْنِيَة وَلم يقل: كن، بِلَفْظ الْجمع. قَوْله: (ملتصقتين) ، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي كَانَتَا.
اشْرِبُوا ثَوْبٌ مَشَرَّبٌ مَصْبوغٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} (الْبَقَرَة: ٣٩) . وَأَشَارَ بقوله: ثوب مشرب، أَي: مصبوغ، إِلَى أَن معنى أشربوا لَيْسَ من شرب المَاء، بل مَعْنَاهُ مثل معنى قَوْلهم: ثوب مشرب أَي: مصبوغ، يَعْنِي: اخْتَلَط بقلبهم حب الْعجل كَمَا يخْتَلط الصَّبْغ بِالثَّوْبِ، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: إِن حب الْعجل حل مَحل الشَّرَاب فِي قُلُوبهم، وعَلى كل تقدر المُرَاد الْمُبَالغَة فِي حبهم الْعجل، وَقَوله: {وَاشْرَبُوا فِي قُلُوبهم الْعجل} (الْبَقَرَة: ٣٩) . فِيهِ الْحَذف أَي: حب الْعجل.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ انْبَجَسَتْ انْفَجَرَتْ
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: معنى قَوْله تَعَالَى: {فانبجست مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} (الْأَعْرَاف: ٠٦١) . انفجرت وانشقت وَقَبله: {وأوحينا إِلَى مُوسَى إِذْ استسقاه قومه أَن اضْرِب بعصاك الْحجر فانبجست} (الْأَعْرَاف: ٠٦١) . وَفِي سُورَة الْبَقَرَة: {وَإِذ استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} (الْبَقَرَة: ٠٦) . وَالْفَاء فِيهِ مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف تَقْدِيره: فَضرب فانبجست، فَضرب فانفجرت، وَهَذِه الْفَاء تسمى فَاء الفصيحة لَا تقع إلَاّ فِي كَلَام بليغ.
وإذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ رَفَعْنا
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظله} (الْأَعْرَاف: ١٧١) . الْآيَة. وَفسّر: نتقنا، بقوله: رفعنَا، وَيُقَال: مَعْنَاهُ قلعناه وَرَفَعْنَاهُ فَوْقهم، كَمَا فِي قَوْله: {ورفعنا فَوْقهم الطّور} (النِّسَاء: ٤٥١) . كَأَنَّهُ ظلة، وَهُوَ كل مَا أظلك من سَقِيفَة أَو سَحَاب. وقصته: أَن مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما رَجَعَ إِلَى قومه وَقد أَتَاهُم بِالتَّوْرَاةِ أَبَوا أَن يقبلوها ويعملوا بِمَا فِيهَا من الآصار والأثقال، وَكَانَت شَرِيعَة ثَقيلَة، فَأمر الله تَعَالَى جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قلع جبل قدر عَسْكَرهمْ، وَكَانَ فرسخاً فِي فَرسَخ، وَرَفعه فَوق رؤوسهم مِقْدَار قامة الرجل، وَكَانُوا سِتّمائَة ألف وَقَالَ لَهُم إِن لم تقبلوها وَإِلَّا ألقيت عَلَيْكُم هَذَا الْجَبَل وَعَن ابْن عَبَّاس رفع الله فَوْقهم الطّور وَبعث نَارا من قبل وُجُوههم وأتاهم الْبَحْر الْملح من خَلفهم.
٨٩٣٣ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْرِو بنِ يَحْيى عنْ أبِيهِ عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّاسُ يُصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فأكُونُ أوَّلَ منْ يُفِيقُ فإذَا أنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ فَلَا أدْرِي أفَاقَ قَبْلِي أمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِذا أَنا بمُوسَى) .
وَمُحَمّد بن يُوسُف أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي وَهُوَ من أَفْرَاده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو بن يحيى يروي عَن أَبِيه يحيى بن عمَارَة بن أبي الْحسن الْمَازِني الْأنْصَارِيّ وَهُوَ يروي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى مطولا فِي الْأَشْخَاص، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ونتكلم بِبَعْض شَيْء لبعد الْعَهْد.
فَقَوله: (يصعقون) من صعق الرجل إِذا غشي عَلَيْهِ، قَالَ النَّوَوِيّ: الصَّعق والصعقة الْهَلَاك وَالْمَوْت، وَيُقَال مِنْهُ: صعق الْإِنْسَان وصعق، بِفَتْح الصَّاد وَضمّهَا، وَأنكر بَعضهم الضَّم، وصعقتهم الصاعقة بِفَتْح الصَّاد وَالْعين وأصعقتهم، وَبَنُو تَمِيم يَقُولُونَ: الصاقعة، بِتَقْدِيم الْقَاف على الْعين، وَقَالَ القَاضِي: وَهَذَا الحَدِيث من أشكل الْأَحَادِيث لِأَن مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قد مَاتَ فَكيف تُدْرِكهُ الصعقة؟ وَإِنَّمَا تصعق الْأَحْيَاء، وَيحْتَمل أَن هَذِه الصعقة صعقة فزع بعد الْفَزع حِين تَنْشَق السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَيُؤَيِّدهُ لفظ: يفِيق وأفاق، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال: أَفَاق من الغشي، وَأما الْمَوْت فَيُقَال: بعث مِنْهُ، وصعقة الطّور لم تكن موتا. وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَلَا أَدْرِي أَفَاق قبلي) فَيحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه قبل أَن يعلم أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض إِن كَانَ هَذَا اللَّفْظ على ظَاهره، وَأَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول شخص مِمَّن تَنْشَق عَنْهُم الأَرْض فَيكون مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من زمرة الْأَنْبِيَاء،