للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغَدَ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكلَّمَ بِهِ، حمدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (إِن مكَّةَ حَرَّمَهَا الله وَلَمْ يُحَرّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لاِمْرِىءٍ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِها دَماً، وَلَا يَعْضِدَ بِها شَجَرَةً، فإنْ أحَدٌ تَرَخصَّ لقتالِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيها فَقُولُوا: إِنّ الله قدْ أَذِنَ لرِسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا ساعَةً مِنْ نَهَارٍ ثمَّ عادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِها بالأَمْسِ، ولْيُبلّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ) . فَقِيلَ لأَبِي شرَيْحٍ مَا قالَ عَمْروٌ قالَ: أنَا أعْلَمُ منْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ! إنَّ مَكَّةَ لَا تُعِيذُ عاصِياً وَلَا فارَّا بدَمٍ وَلَا فارَّا بخَرْبَةٍ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب) .

بَيَان رِجَاله: وهم أَرْبَعَة. الأول: عبد اللَّه بن يُوسُف التنيسِي. الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ. الثَّالِث: سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، وَقد تقدم ذكرهم. الرَّابِع: أَبُو شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: الْخُزَاعِيّ الكعبي. قيل: اسْمه خويلد، قَالَ أَبُو عمر: قيل: اسْمه عَمْرو بن خَالِد. وَقيل: كَعْب بن عَمْرو. قَالَ: وَالأَصَح عِنْد أهل الحَدِيث أَن اسْمه خويلد بن عَمْرو بن صَخْر بن عبد الْعُزَّى بن مُعَاوِيَة بن المحترش بن عَمْرو بن مَازِن بن عدي بن عَمْرو بن ربيعَة الْخُزَاعِيّ الْعَدوي الكعبي، أسلم قبل فتح مَكَّة، وَكَانَ يحمل حينئذٍ أحد ألوية بني كَعْب بن خُزَاعَة، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون حَدِيثا، اتفقَا على حديثين، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِحَدِيث، وَهُوَ: (وَالله لَا يُؤمن (ثَلَاثًا) من لَا يُؤمن جَاره بوائقه) . والمتفق عَلَيْهِ: (من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم جَاره) . الحَدِيث، وَهَذَا الحَدِيث. قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ أَبُو شُرَيْح من عقلاء أهل الْمَدِينَة، توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، روى لَهُ الْجَمَاعَة. وَفِي الصَّحَابَة من يشْتَرك مَعَه فِي كنيته اثْنَان: أَبُو شُرَيْح هانىء بن يزِيد الْحَارِثِيّ، وَأَبُو شُرَيْح رَاوِي حَدِيث: (أَعْتَى النَّاس على الله تَعَالَى) الحَدِيث. قَالُوا: هوالخزاعي، وَقَالُوا: غَيره. وَفِي الرِّوَايَة أَيْضا أَبُو شُرَيْح الْغِفَارِيّ، أخرج لَهُ ابْن مَاجَه.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مصري ومدني. وَمِنْهَا: أَنه من الرباعيات.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي الْحَج عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث، وَفِي الْمَغَازِي عَن سعيد بن شُرَحْبِيل عَن اللَّيْث. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح، وَفِي الدِّيات عَن ابْن بشار عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد فِي مَعْنَاهُ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج، وَفِي الْعلم عَن قُتَيْبَة بِهِ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (الْبعُوث) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة. جمع الْبَعْث بِمَعْنى الْمَبْعُوث، وَهُوَ الْجند الَّذِي يبْعَث إِلَى مَوضِع. وَمعنى: يبْعَث الْبعُوث أَي: يُرْسل الجيوش، والبعث الْإِرْسَال. وَفِي (الْعباب) بَعثه أَي أرْسلهُ، وَقَوْلهمْ: كنت فِي بعث فلَان، أَي: فِي جَيْشه الَّذِي بعث مَعَه. والبعوث الجيوش، ومصدر بَعثه بعث وَبعث بِالتَّحْرِيكِ أَيْضا، والبعثة الْمرة الْوَاحِدَة. قَوْله: (إيذن) أَمر من: أذن يَأْذَن، وَأَصله: إئذن، قلبت الْهمزَة الثَّانِيَة يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا. قَوْله: (لامرىء) قد مر أَن هَذَا اللَّفْظ من النَّوَادِر، حَيْثُ كَانَت عينه دَائِما تَابِعَة للامه فِي الْحَرَكَة. قَوْله: (أَن يسفك) بِكَسْر الْفَاء على الْمَشْهُور، وَحكي ضمهَا، وَمعنى السفك إِرَاقَة الدَّم. وَفِي (الْعباب) : سفكت الدَّم أسفُكه وأسفِكه سفكاً، أَي: هرقته. وَقَرَأَ ابْن قطيب وَابْن أبي عبلة وَطَلْحَة بن مصرف وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة: (ويسفك الدِّمَاء) ، بِضَم الْفَاء، وَكَذَلِكَ الدمع. وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ: لَا يسْتَعْمل السفك إلَاّ فِي صب الدَّم، وَقد يسْتَعْمل فِي نشر الْكَلَام إِذا نشره. قَوْله: (وَلَا يعضد) من الْعَضُد، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة، وَهُوَ الْقطع: يُقَال: عضد الشَّجَرَة، بِالْفَتْح فِي الْمَاضِي، يعضد، بِالْكَسْرِ فِي الْمُضَارع: إِذا قطعهَا بالمعضد، وَهُوَ سيف يمتهن فِي الشّجر، فَهُوَ معضود، وَالْمعْنَى: لَا يعضد أَغْصَانهَا. قَالَ الْمَازرِيّ: يُقَال: عضد واستعضد. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: معنى لَا يعضد: لَا يفْسد وَلَا يقطع، وَأَصله من عضد الرجل إِذا أصَاب عضده، لكنه يُقَال مِنْهُ: عضده يعضده

<<  <  ج: ص:  >  >>