للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَأْسِي، وَفِي الْمَسْأَلَة قَول ثَالِث إِنَّه مُشْتَرك بَينهمَا.

الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: فِيهِ أَن التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم من عِنْد الله لَا مدْخل لبشر فِيهِ، وَأَن ذَلِك لَا يعرف إلَاّ مِنْهُ فعلا وقولاً وتقريراً.

الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا مَا قيل: إِن قَوْله: (إِن مَكَّة حرمهَا الله وَلم يحرمها النَّاس) يُعَارضهُ قَوْله: عَلَيْهِ السَّلَام: (إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة) الحَدِيث. وَأجِيب: بِأَن نِسْبَة الحكم لإِبْرَاهِيم على معنى التَّبْلِيغ، فَيحْتَمل أَن تَحْرِيم إِبْرَاهِيم لَهَا بإعلام الله تَعَالَى أَنه حرمهَا، فتحريمه لَهَا بِتَحْرِيم الله لَا بِاجْتِهَادِهِ، أوكل الله إِلَيْهِ تَحْرِيمهَا فَكَانَ عَن أَمر الله، فأضيف إِلَى الله مرّة لذَلِك، وَمرَّة لإِبْرَاهِيم، أَو أَنه دعى إِلَيْهِ فَكَانَ تَحْرِيم الله لَهَا بدعوته. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره من الْعلمَاء: قيل: إِن مَكَّة مَا زَالَت مُحرمَة من يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض. وَقيل: كَانَت حَلَالا إِلَى زمن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْأول قَول الْأَكْثَرين وأوفق للْحَدِيث. وَأجِيب: عَن حَدِيث إِبْرَاهِيم بِأَن التَّحْرِيم كَانَ خفِيا ثمَّ أظهره إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالَ أَصْحَاب القَوْل الثَّانِي: إِن معنى الحَدِيث أَن الله كتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَغَيره يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض: إِن إِبْرَاهِيم سيحرم مَكَّة، بِإِذن الله تَعَالَى. وَمِنْهَا مَا قيل: لِمَ خصص من بَين مَا يجب بِهِ الْإِيمَان هذَيْن اللَّفْظَيْنِ: الْإِيمَان بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَي الْقِيَامَة؟ أُجِيب: بِأَن الأول إِشَارَة إِلَى المبدأ وَالثَّانِي إِلَى الْمعَاد، والبواقي دَاخِلَة تحتهما. وَمِنْهَا مَا قيل: لِمَ سمي يَوْم الْقِيَامَة الْيَوْم الآخر؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ لَا ليل بعده، وَلَا يُقَال: يَوْم إلَاّ لمَا تقدمه ليل. وَمِنْهَا مَا قيل: هَل أحل للنَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي السَّاعَة الَّتِي أحلّت لَهُ مَكَّة سَائِر الْأَشْيَاء؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ أحلّت لَهُ فِي تِلْكَ السَّاعَة: الدَّم دون الصَّيْد، وَقطع الشّجر، وَسَائِر مَا حرم الله على النَّاس.

١٠٥ - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ قالَ: حدّثنا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عَنْ مُحمَّدٍ عنِ ابنِ أبي بَكْرَةَ، عنْ أبي بَكْرَةَ ذُكِرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ: (فإنّ دِمَاءَكُمْ وأموَالَكُمْ) . قالَ مُحمَّدٌ: وأحْسِبُهُ قالَ: وأعْرَاضَكُمْ: (عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَة يَوْمكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ) وكانَ مُحَمَّدٌ يَقُولَ: صَدَقَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كانَ ذَلِكَ، (ألَا هَلْ بَلَّغْتُ) . مَرَّتَيْنِ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَلا ليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب) .

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْبَصْرِيّ انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ، وروى النَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ، وَلم يخرج لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَهُوَ ثِقَة ثَبت، وَثَّقَهُ يحيى وَآخَرُونَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق ثِقَة، توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد الْبَصْرِيّ، وَقد تقدم. الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَقد تقدم. الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين وَقد مر. الْخَامِس: أَبُو بكرَة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، واسْمه نفيع، وَقد تقدم.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رِجَاله كلهم بصريون. وَمِنْهَا: أَنه وَقع فِي بعض النّسخ: عَن مُحَمَّد عَن أبي بكرَة بِحَذْف ابْن أبي بكرَة بَينهمَا، وَفِي بَعْضهَا: عَن مُحَمَّد بن أبي بكرَة بتبديل: عَن، بِلَفْظ ابْن، وَكِلَاهُمَا وهم فَاحش. وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: وَأما سَنَد هَذَا الحَدِيث فقد وَقع فِي البُخَارِيّ فِيهِ اضْطِرَاب من الروَاة عَن الْفربرِي. قَالَ أَبُو عَليّ الغساني: وَقع فِي نُسْخَة أبي ذَر الْهَرَوِيّ، فِيمَا قَيده عَن الْحَمَوِيّ وَأبي الْهَيْثَم عَن الْفربرِي: عَن مُحَمَّد عَن أبي بكرَة، هُنَا سقط ابْن أبي بكرَة. وَرَوَاهُ سَائِر رُوَاة الْفربرِي، بِإِثْبَات ابْن أبي بكرَة بَين مُحَمَّد وَأبي بكرَة، وَوَقع الْخلَل فِيهِ أَيْضا فِي كتاب بَدْء الْخلق والمغازي، وَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ: فِي نُسْخَة أبي زيد أَيُّوب: عَن مُحَمَّد بن أبي بكرَة، وَفِي نُسْخَة الْأصيلِيّ: مُحَمَّد عَن أبي بكرَة على الصَّوَاب. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي (كتاب الْعِلَل) : إِن إِسْمَاعِيل بن علية وَعبد الْوَارِث روياه عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أبي بكرَة، لم يذكرَا بَينهمَا أحدا، وَكَذَا رَوَاهُ يُونُس: عَن عبيد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي بكرَة، وَرَوَاهُ قُرَّة بن خَالِد: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين. قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة وَرجل آخر أفضل من عبد الرَّحْمَن. وَسَماهُ أَبُو عَامر الْعَقدي: حميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ الغساني: اتِّصَال هَذَا الْإِسْنَاد وَصَوَابه أَن يكون: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه وَعَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَيْضا عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي عَن أبي بكرَة، رَضِي الله عَنهُ. قلت: الصَّوَاب الَّذِي ذكره

<<  <  ج: ص:  >  >>