للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حصره الْحجَّاج بِمَكَّة أول لَيْلَة من ذِي الْحجَّة سنة ثِنْتَيْنِ وَسبعين، وَلم يزل يحاصره إِلَى أَن أَصَابَته رمية الْحجر فَمَاتَ، وصلب جثته وَحمل رَأسه إِلَى خُرَاسَان. السَّادِس: أَبوهُ الزبير بن الْعَوام، بتَشْديد الْوَاو، الْقرشِي، أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ، وَأحد سِتَّة أَصْحَاب الشورى، وَاحِد الْمُهَاجِرين بالهجرتين وحواري النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمه صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أسلمت وَأسلم هُوَ رَابِع أَرْبَعَة أَو خَامِس خَمْسَة على يَد الصّديق وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة، وَشهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، اتفقَا مِنْهَا على حديثين، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بسبعة، وَهُوَ أول من سل السَّيْف فِي سَبِيل الله، وَكَانَ يَوْم الْجمل قد ترك الْقِتَال وَانْصَرف عَنهُ، فَلحقه جمَاعَة من الْغُزَاة فَقَتَلُوهُ بوادي السبَاع بِنَاحِيَة الْبَصْرَة، وَدفن ثمَّة، ثمَّ حول إِلَى الْبَصْرَة وقبره مَشْهُور بهَا، روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَكَانَ لَهُ أَربع نسْوَة، وَدفع الثُّلُث فَأصَاب كل امْرَأَة مِنْهُنَّ ألف ألف وَمِائَتَا ألف فَجَمِيع مَاله خَمْسُونَ ألف ألف وَمِائَة ألف.

بَيَان لطائف إِسْنَاده. مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ، وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ النَّوْع من رِوَايَة الْأَبْنَاء عَن الْآبَاء، وَرِوَايَة الابْن عَن الْأَب عَن الْجد.

بَيَان من أخرجه غَيره: لم يُخرجهُ مُسلم. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْعلم عَن عَمْرو بن عون ومسدد، كِلَاهُمَا عَن خَالِد الطَّحَّان عَن بَيَان بن بشر عَن وبرة بن عبد الرَّحْمَن عَن عَامر بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن شُعْبَة بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي (السّنة) عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِهِ.

بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب: قَوْله: (فَليَتَبَوَّأ) بِكَسْر اللَّام هُوَ الأَصْل، وبالسكون هُوَ الْمَشْهُور، وَهُوَ أَمر من التبوء، وَهُوَ اتِّخَاذ المباءة أَي: الْمنزل يُقَال: تبوأ الرجل الْمَكَان إِذا اتَّخذهُ موضعا لمقامه. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: تبوأت منزلا أَي: نزلته. وَقَالَ الْخطابِيّ: تبوأ بِالْمَكَانِ، أَصله من مباءة الْإِبِل وَهِي: أعطانها. قَوْله: (إِنِّي لَا أسمعك تحدث) مَعْنَاهُ: لَا أسمع تحديثك، وَحذف مَفْعُوله. وَفِي بعض النّسخ، لَيْسَ فِيهِ: إِنِّي. قَوْله: (كَمَا يحدث) ، الْكَاف للتشبيه، وَمَا مَصْدَرِيَّة أَي: كتحديث فلَان وَفُلَان، وَحذف مَفْعُوله أَيْضا إِرَادَة الْعُمُوم. قَوْله: (أما) ، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم من حُرُوف التَّنْبِيه. قَوْله: (إِنِّي) ، بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله: (لم أفارقه) ، جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر: إِن، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لكني) ، فِي بعض النّسخ (لكنني) وَيجوز فِي: إِن وَأَخَوَاتهَا إِلْحَاق نون الْوِقَايَة بهَا وَعدم الْإِلْحَاق. قَوْله: (من) ، مَوْصُولَة تَتَضَمَّن معنى الشَّرْط، و (كذب عليَّ) صلتها. وَقَوله: (فَليَتَبَوَّأ) ، جَوَاب الشَّرْط، فَلذَلِك دَخلته الْفَاء. قَوْله: (مَقْعَده) مفعول: (ليتبوأ) . وَكلمَة: (من) فِي: من النَّار، بَيَانِيَّة وابتدائية، قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: الأولى أَن يكون بِمَعْنى: فِي، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} (الْجُمُعَة: ٩) .

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: (كَمَا يحدث فلَان وَفُلَان) ، سمى مِنْهُمَا فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: (لم أفارقه) ، أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (مُنْذُ أسلمت) . وَأَرَادَ بِهِ عدم الْمُفَارقَة الْعُرْفِيَّة، أَي: مَا فارقته سفرا وحضرا على عَادَة من يلازم الْمُلُوك. فَإِن قلت: قد هَاجر إِلَى الْحَبَشَة. قلت: ذَاك قبل ظُهُور شَوْكَة الْإِسْلَام، أَي: مَا فارقته عِنْد ظُهُوره. وَالْمرَاد: فِي أَكثر الْأَحْوَال. قَوْله: (لَكِن) للاستدراك. فَإِن قلت: شَرط: لَكِن، أَن تتوسط بَين كلامين متغايرين، فَمَا هما هَهُنَا؟ قلت: لَازم عدم الْمُفَارقَة السماع، ولازم السماع التحديث عَادَة، ولازم التحديث الَّذِي ذكره فِي الْجَواب عدم التحديث، فَبين الْكَلَامَيْنِ مُنَافَاة، فضلا عَن الْمُغَايرَة. فَإِن قلت: الْمُنَاسب: لسمعت قَالَ ليتوافقا مَاضِيا فَمَا الْفَائِدَة فِي الْعُدُول إِلَى الْمُضَارع؟ قلت: استحضار صُورَة القَوْل للحاضرين، والحكاية عَنْهَا كَأَنَّهُ يُرِيهم أَنه قَالَ بِهِ الْآن. قَوْله: (فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار) ، قَالَ الْخطابِيّ: ظَاهره أَمر، وَمَعْنَاهُ خبر؛ يُرِيد أَن الله تَعَالَى يبوؤه مَقْعَده من النَّار. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْأَمر بالتبوء تهكم وتغليظ، إِذْ لَو قيل: كَانَ مَقْعَده فِي النَّار لم يكن كَذَلِك، وَأَيْضًا فِيهِ إِشَارَة إِلَى معنى الْقَصْد فِي الذَّنب وجزائه، أَي: كَمَا أَنه قصد فِي الْكَذِب التعمد فليقصد فِي جَزَائِهِ التبوء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يجوز أَن يكون الْأَمر على حَقِيقَته، وَالْمعْنَى: من كذب فليأمر نَفسه بالتبوء. قلت: والأَوْلى أَن يكون أَمر تهديد، أَو يكون دُعَاء على معنى: بوأه الله.

الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا مَا قيل: التبوء إِن كَانَ إِلَى الْكَاذِب فَلَا شكّ أَنه لَا يبوء نَفسه وَله إِلَى تَركه سَبِيل، وَإِن كَانَ إِلَى الله

<<  <  ج: ص:  >  >>