إِلَى الْمَدِينَة: صباة من صَبأ إِذا مَال عَن دينه. قَوْله:(فتلاحيا) أَي: تخاصما وتنازعا، وَقيل: تسابا يَعْنِي: سعد بن معَاذ وَأَبُو جهل. قَوْله:(على أبي الحكم) ، بِفتْحَتَيْنِ: هُوَ عَدو الله أَبُو جهل، واسْمه: عَمْرو بن هِشَام المَخْزُومِي وكناه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِأبي جهل. قَوْله:(فَإِنَّهُ سيد أهل الْوَادي) أَي: فَإِن أَبَا جهل سيد أهل الْوَادي، أَرَادَ بِهِ: أهل مَكَّة. قَوْله:(ثمَّ قَالَ سعد) أَي: لأبي جهل: (وَالله لَئِن منعتني من أَن أَطُوف) أَي: من طواف الْبَيْت. (لأقطعن متجرك بِالشَّام) أَي: تجارتك، وَفِي رِوَايَة الْمَغَازِي: أما وَالله لَئِن منعتني هَذَا لأمنعنك مَا هُوَ أَشد عَلَيْك مِنْهُ، طريقك على الْمَدِينَة. قَوْله:(قَالَ: دَعْنَا عَنْك) أَي: فَقَالَ سعد لأمية بن خلف، دَعْنَا عَنْك، أَي: أترك محاماتك لأبي جهل، فَإِنِّي سَمِعت مُحَمَّدًا يزْعم أَنه قَاتلك، وَالْخطاب لأمية، وَفِي الْمَغَازِي: دَعْنَا عَنْك يَا أُميَّة، فوَاللَّه لقد سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول:(أَنه قَاتلك) ، وَفِي رِوَايَة:(إِنَّهُم قاتلوك) . قَالَ: بِمَكَّة؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَوْله:(قَالَ: إيَّايَ؟) أَي: قَالَ أُميَّة: إيَّايَ؟ قَالَ سعد: نعم إياك. قَوْله:(فَرجع إِلَى امْرَأَته) ، أَي: فَرجع أُميَّة إِلَى امْرَأَته، وَفِي رِوَايَة الْمَغَازِي، فَفَزعَ لذَلِك أُميَّة فَزعًا شَدِيدا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَهله قَالَ: يَا أم صَفْوَان: ألم تري مَا قَالَ لي سعد؟ وَهنا قَالَ لَهَا: أتعلمين مَا قَالَ لي أخي اليثربي؟ أَرَادَ بِهِ سَعْدا، فنسبه إِلَى يثرب مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: أخي، يَعْنِي: فِي المصاحبة دون النّسَب وَلَا الدّين. قَوْله:(قَالَ: فوَاللَّه مَا يكذب مُحَمَّد) ، أَي: قَالَ أُميَّة: مَا يكذب مُحَمَّد، لِأَنَّهُ كَانَ مَوْصُوفا عِنْدهم بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة وَإِن كَانُوا لَا يصدقونه. قَوْله:(فَلَمَّا خَرجُوا) ، أَي: أهل مَكَّة إِلَى بدر، وَجَاء الصَّرِيخ. قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَهُوَ أَن الصَّرِيخ جَاءَهُم فَخَرجُوا إِلَى بدر، أخْبرهُم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه خَرجُوا إِلَى عير أبي سُفْيَان، فَخرجت قُرَيْش أشرين بطرين موقنين عِنْد أنفسهم أَنهم غالبون، فَكَانُوا ينحرون يَوْمًا عشرَة من الأبل، وَيَوْما تِسْعَة، والصريخ: فعيل من الصُّرَاخ، وَهُوَ صَوت المستصرخ أَي: المستغيث. قَوْله:(فَأَرَادَ أَن لَا يخرج) ، أَي: أَرَادَ أُميَّة أَن لَا يخرج من مَكَّة مَعَ قُرَيْش إِلَى بدر، وَفِي الْمَغَازِي: فَقَالَ أُميَّة: وَالله لَا أخرج من مَكَّة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر اسْتنْفرَ أَبُو جهل النَّاس فَقَالَ: أدركوا عِيركُمْ، فكره أُميَّة أَن يخرج، فَأَتَاهُ أَبُو جهل فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَان {إِنَّك مَتى يراك النَّاس قد تخلفت وَأَنت سيد أهل الْوَادي تخلفوا مَعَك فَلم يزل بِهِ أَبُو جهل حَتَّى قَالَ: أما إِذا غلبتني فوَاللَّه لأشترين أَجود بعير بِمَكَّة، ثمَّ قَالَ أُميَّة: يَا أم صَفْوَان} جهزيني. فَقَالَت لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَان! أونسيت مَا قَالَ لَك أَخُوك اليثربي؟ قَالَ: لَا، مَا أُرِيد أَن أجوز مَعَهم إلَاّ قَرِيبا، فَلَمَّا خرج أُميَّة جعل لَا ينزل منزلا إِلَّا عقل بعيره، فَلم يزل بذلك حَتَّى قَتله الله، عز وَجل، ببدر، وَإِنَّمَا سقت مَا فِي الْمَغَازِي لِأَنَّهُ كالشرح لما هُنَا، وَقد ذكر الْكرْمَانِي هُنَا شَيْئا بِغَيْر نظر وَلَا تَأمل، حَتَّى نسب بذلك إِلَى التغفل عِنْد بعض الشُّرَّاح، وَهُوَ أَنه قَالَ: فَإِن قلت: أَيْن مَا أخبر بِهِ سعد من كَون أبي جهل قَاتله أَي قَاتل أُميَّة؟ قلت: أَبُو جهل كَانَ السَّبَب فِي خُرُوجه، فَكَأَنَّهُ قَتله، إِذْ الْقَتْل كَمَا يكون مُبَاشرَة قد يكون تسبباً. انْتهى. وَإِنَّمَا حمله على هَذَا الْأَمر العجيب لِأَنَّهُ فهم أَن قَول سعد لأمية: إِنَّه قَاتلك، أَي: إِن أَبَا جهل قَاتلك، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا أَرَادَ سعد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي يقتل أُميَّة، فَلَمَّا فهم هَذَا الْفَهم اسْتشْكل ذَلِك بِكَوْن أبي جهل على دين أُميَّة، ثمَّ تعسف بِالْجَوَابِ كَذَلِك.
٣٣٦٣ - حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ شَيْبَةَ حدَّثنا عبْدُ الرحْمانِ بنُ الْمُغِيرَةِ عنْ أبِيهِ عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ عنْ سَالِمِ بنِ عبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعينَ فِي صَعيدٍ فقامَ أبُو بَكْرٍ فنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَالله يَغفِرُ لَهُ ثُمَّ أخَذَهَا عُمَرُ فاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْباً فلَمْ أرَ عَبْقَرِياً فِي النَّاسِ يَفْري فَرْيَهُ حتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ وَقَالَ هَمَّامٌ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَزَعَ أبُو بَكْرٍ ذَنُوبَيْنِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر عَمَّا رَآهُ فِي الْمَنَام فِي أَمر خلَافَة الشَّيْخَيْنِ، وَقد وَقع مثل مَا قَالَ على مَا نذكرهُ، ورؤيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، حق بِلَا خلاف.
وَعبد الرحمان بن شيبَة هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن شيبَة أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ الْقرشِي مَوْلَاهُم الْمدنِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة، بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: ابْن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن خَالِد بن حزَام بن خويلد أَبُو الْقَاسِم الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، يروي عَن أَبِيه