الأول: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ بقوله: من صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو رَآهُ من الْمُسلمين فَهُوَ من أَصْحَابه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي الصَّحَابِيّ مُسلم صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو رَآهُ، وَضمير الْمَفْعُول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْفَاعِل للْمُسلمِ على الْمَشْهُور الصَّحِيح، وَيحْتَمل الْعَكْس لِأَنَّهُمَا متلازمان عرفا. فَإِن قلت: الترديد يُنَافِي التَّعْرِيف. قلت: الترديد فِي أَقسَام الْمَحْدُود يَعْنِي الصَّحَابِيّ: قِسْمَانِ لكل مِنْهُمَا تَعْرِيف. فَإِن قلت: إِذا صَحبه فقد رَآهُ. قلت: لَا يلْزم، إِذْ عبد الله بن أم مَكْتُوم صَحَابِيّ اتِّفَاقًا مَعَ أَنه لم يره. انْتهى. قلت: من، فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء وَهِي مَوْصُولَة، و: صحب، صلتها، وَقَوله: أوراه، عطف عَلَيْهِ أَو رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الصاحب وَيحْتَمل الْعَكْس، كَمَا قَالَه الْكرْمَانِي، لَكِن الأول أولى ليدْخل فِيهِ مثل ابْن أم مَكْتُوم. وَقَوله:(فَهُوَ من أَصْحَابه) جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر الْمُبْتَدَأ، وَدخُول الْفَاء لتضمن الْمُبْتَدَأ الشَّرْط. وَقَوله:(من الْمُسلمين) قيد ليخرج بِهِ من صَحبه أَو رَآهُ من الْكفَّار، فَإِنَّهُ لَا يُسمى صحابياً، قيل: فِي كَلَام البُخَارِيّ نقص مَا يحْتَاج إِلَى ذكره، وَهُوَ: ثمَّ مَاتَ على الْإِسْلَام، والعبارة السالمة من الِاعْتِرَاض أَن يُقَال: الصَّحَابِيّ من لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ مَاتَ على الْإِسْلَام، ليخرج من ارْتَدَّ وَمَات كَافِرًا: كَابْن خطل وَرَبِيعَة بن أُميَّة وَمقيس بن صبَابَة وَنَحْوهم، وَمِنْهُم من اشْترط فِي ذَلِك أَن يكون حِين اجتماعه بِهِ بَالغا، وَهُوَ مَرْدُود لِأَنَّهُ يخرج مثل الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما، وَنَحْوه من أَحْدَاث الصَّحَابَة.
القَوْل الثَّانِي: إِنَّه من طَالَتْ صحبته لَهُ وَكَثُرت مُجَالَسَته مَعَ طَرِيق التبع لَهُ وَالْأَخْذ عَنهُ، هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ عَن الْأُصُولِيِّينَ، وَقَالَ: إِن اسْم الصَّحَابِيّ يَقع على ذَلِك من حَيْثُ اللُّغَة، وَالظَّاهِر قَالَ: وَأَصْحَاب الحَدِيث يطلقون إسم الصَّحَابَة على كل من روى عَنهُ حَدِيثا أَو كلمة يتوسعون حَتَّى يعدون من رَآهُ رُؤْيَة من الصَّحَابَة وَمن ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام لَكِن لم يره ثَانِيًا بعد عوده، فَالصَّحِيح أَنه مَعْدُود فِي الصَّحَابَة لإطباق الْمُحدثين على عد الْأَشْعَث بن قيس وَنَحْوه مِمَّن وَقع لَهُ ذَلِك، وإخراجهم أَحَادِيثهم فِي المسانيد، وَقَالَ الْآمِدِيّ: الْأَشْبَه أَن الصَّحَابِيّ من رَآهُ وَحَكَاهُ عَن أَحْمد وَأكْثر أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب أَيْضا، لِأَن الصُّحْبَة تعم الْقَلِيل وَالْكثير، وَفِي كَلَام أبي زرْعَة الرَّازِيّ وَأبي دَاوُد مَا يَقْتَضِي أَن الصُّحْبَة أخص من الرُّؤْيَة، فَإِنَّهُمَا قَالَا فِي طَارق بن شهَاب: لَهُ رُؤْيَة وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة، قَالَ شَيخنَا: وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن سعد فِي (الطَّبَقَات) : عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن شُعْبَة عَن مُوسَى السينَانِي قَالَ: أتيت أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقلت: أَنْت آخر من بَقِي من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: قد بَقِي قوم من الْأَعْرَاب، فَأَما من أَصْحَابه فَأَنا آخر من بَقِي، قَالَ ابْن الصّلاح: إِسْنَاده جيد.
القَوْل الثَّالِث: مَا روى عَن سعيد بن الْمسيب أَنه لَا يعد الصَّحَابِيّ إلَاّ من أَقَامَ مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنة أَو سنتَيْن، وغزا مَعَه غَزْوَة أَو غزوتين، وَهَذَا فِيهِ ضيق يُوجب أَن لَا يعد من الصَّحَابَة جرير بن عبد الله البَجلِيّ وَمن شَاركهُ فِي فقد ظَاهر مَا اشْتَرَطَهُ فيهم مِمَّن لَا نعلم خلافًا فِي عده من الصَّحَابَة، قَالَ شَيخنَا: هَذَا عَن ابْن الْمسيب لَا يَصح، لِأَن فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ وَهُوَ ضَعِيف فِي الحَدِيث.
القَوْل الرَّابِع: إِنَّه يشْتَرط مَعَ طول الصُّحْبَة الْأَخْذ عَنهُ، حَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن عَمْرو بن بَحر أبي عُثْمَان الجاحظ من أَئِمَّة الْمُعْتَزلَة، قَالَ فِيهِ ثَعْلَب: إِنَّه غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون، وَلَا يُوجد هَذَا القَوْل لغيره.
القَوْل الْخَامِس: أَنه من رَآهُ مُسلما بَالغا عَاقِلا حَكَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن أهل الْعلم وَالتَّقْيِيد بِالْبُلُوغِ شَاذ وَقد مر عَن قريب.
القَوْل السَّادِس: إِنَّه من أدْرك زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مُسلم، وَإِن لم يره، وَهُوَ قَول يحيى بن عُثْمَان الْمصْرِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَن دفن أَي بِمصْر من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن أدْركهُ وَلم يسمع مِنْهُ أَبُو تَمِيم الجيشاني، واسْمه عبد الله بن مَالك. انْتهى. وَإِنَّمَا هَاجر أَبُو تَمِيم إِلَى الْمَدِينَة فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِاتِّفَاق أهل السّير، وَمِمَّنْ حكى هَذَا القَوْل من الْأُصُولِيِّينَ: القرافى فِي (شرح التَّنْقِيح) وَكَذَلِكَ، إِن كَانَ صَغِيرا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ تبعا لأحد أَبَوَيْهِ.
فَائِدَة: وتعرف الصُّحْبَة إِمَّا بالتواتر: كَأبي بكر وَعمر وَبَقِيَّة الْعشْرَة وَخلق مِنْهُم، وَإِمَّا بالإستفاضة والشهرة القاصرة عَن التَّوَاتُر: كعكاشة بن مُحصن وضمام بن ثَعْلَبَة وَغَيرهمَا، وَإِمَّا بِإِخْبَار بعض الصَّحَابَة عَنهُ أَنه صَحَابِيّ: كحميمة بن أبي حميمة