للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمحبَّة لفاطمة وابنيها وَأُسَامَة وَغَيرهم. وَأَكْثَرهم جعل الْمحبَّة أرفع من الْخلَّة لِأَن دَرَجَة الحبيب نَبينَا أرفع من دَرَجَة الْخَلِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وأصل الْمحبَّة الْميل إِلَى مَا يُوَافق الْمُحب، وَلَكِن هَذَا فِي حق من يَصح الْميل مِنْهُ وَالِانْتِفَاع بالوفق وَهِي دَرَجَة الْمَخْلُوق، وَأما الْخَالِق عز وَجل فمنزه عَن الْأَعْرَاض فمحبته لعَبْدِهِ تَمْكِينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة أَسبَاب الْقرب وإفاضة رَحمته عَلَيْهِ، وقصواها كشف الْحجاب عَن قلبه حَتَّى يرَاهُ بِقَلْبِه وَينظر إِلَيْهِ ببصيرته، فَيكون كَمَا قَالَ فِي الحَدِيث: (فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ، وبصره الَّذِي يبصر بِهِ، وَلسَانه الَّذِي ينْطق بِهِ) ، وَلَا يَنْبَغِي أَن يفهم من هَذَا سوى التجرد لله تَعَالَى والانقطاع إِلَيْهِ والإعراض عَن غَيره، وصفاء الْقلب وإخلاص الحركات لَهُ. وَنقل ابْن فورك عَن بعض الْمُتَكَلِّمين كلَاما فِي الْفرق بَين الْمحبَّة والخلة بِكَلَام طَوِيل ملخصه: الْخَلِيل يصل بالواسطة من قَوْله: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض} (الْأَنْعَام: ٥٧) . والحبيب يصل لحبيبه بِهِ من قَوْله: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} (النَّجْم: ٩) . والخليل الَّذِي تكون مغفرته فِي حد الطمع من قَوْله: {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين} (الشُّعَرَاء: ٢٨) . والحبيب الَّذِي مغفرته فِي حد الْيَقِين من قَوْله عز وَجل: {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} (الْفَتْح: ٢) . والخليل، قَالَ: {وَلَا تخزني يَوْم يبعثون} (الشُّعَرَاء: ٧٨) . والحبيب قيل لَهُ: يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي، فابتدأ بالبشارة قبل السُّؤَال، والخليل قَالَ فِي الْمحبَّة: حسبي الله، والحبيب قيل لَهُ: {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله} (الْأَنْفَال: ٤٦) . والخليل قَالَ: {وَاجعَل لي لِسَان صدق} (الشُّعَرَاء: ٧٨) . والحبيب قيل لَهُ: {ورفعنا لَك ذكرك} (الشَّرْح: ٤) . أعطي بِلَا سُؤال. والخليل قَالَ: {واجنبني وبنيَّ أَن نعْبد الْأَصْنَام} (إِبْرَاهِيم: ٥٣) . والحبيب قيل لَهُ: {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} (الْأَحْزَاب: ٣٣)

قَوْله: (وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام) أخوة الْإِسْلَام مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف، نَحْو: أفضل من كل أخوة، ومودة لغير الْإِسْلَام. وَقيل: وَقع فِي بعض الرِّوَايَات: وَلَكِن خوة الْإِسْلَام، بِغَيْر الْألف، فَقَالَ ابْن بطال: لَا أعرف معنى هَذِه الْكَلِمَة وَلم أجد خوة بِمَعْنى خلة فِي كَلَام الْعَرَب، وَلَكِن وجدت فِي بعض الرِّوَايَات: وَلَكِن خلة الْإِسْلَام، وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّ الْألف سَقَطت من الْكَاتِب فَإِن الْألف ثَابِتَة فِي سَائِر الرِّوَايَات، وَقَالَ ابْن مَالك فِي تَوْجِيهه: نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى النُّون فحذفت الْألف، وَجوز مَعَ حذفهَا ضم نون: لَكِن، وسكونها، وَلَا يجوز مَعَ إِثْبَات الْهمزَة إلَاّ سُكُون النُّون فَقَط. انْتهى. قلت: هَذَا تَوْجِيه بعيد لَا يُوَافق الْأُصُول. قَوْله: (لَا يبْقين) ، بِفَتْح أَوله وبنون التَّأْكِيد، وَرُوِيَ بِالضَّمِّ وَإِضَافَة النَّهْي إِلَى الْبَاب: تجوز لِأَن عدم بَقَائِهِ لَازم للنَّهْي عَن إبقائه، فَكَانَ الْمَعْنى: لَا تبقوه حَتَّى لَا تبقى. قَوْله: (إلَاّ سُدَّ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (إلَاّ بَاب أبي بكر) ، اسْتثِْنَاء مفرغ، وَمَعْنَاهُ: لَا تبقوا بَابا غير مسدود إلَاّ بَاب أبي بكر فاتركوه بِغَيْر سد. وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مُعَاوِيَة فِي آخر هَذَا الحَدِيث: فَإِنِّي رَأَيْت عَلَيْهِ نورا. فَإِن قلت: روى النَّسَائِيّ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ: (أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسد الْأَبْوَاب الشارعة فِي الْمَسْجِد وَترك بَاب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) . وَإِسْنَاده قوي، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) زِيَادَة وَهِي: فَقَالُوا يَا رَسُول الله {. سدت أبوابنا؟ فَقَالَ: مَا أَنا سددتها وَلَكِن الله سدها. وَنَحْوه عَن زيد بن أَرقم أخرجه أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس، فَهَذَا يُخَالف حَدِيث الْبَاب. قلت: جمع بَينهمَا بِأَن المُرَاد بِالْبَابِ فِي حَدِيث عَليّ الْبَاب الْحَقِيقِيّ. وَالَّذِي فِي حَدِيث أبي بكر يُرَاد بِهِ الخوخة، كَمَا صرح بِهِ فِي بعض طرقه. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ فِي (مُشكل الْآثَار) : بَيت أبي بكر كَانَ لَهُ بَاب من خَارج الْمَسْجِد وخوخة إِلَى دَاخله، وَبَيت عَليّ لم يكن لَهُ بَاب إلَاّ من دَاخل الْمَسْجِد. قلت: فَلذَلِك لم يَأْذَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأحد أَن يمر من الْمَسْجِد، وَهُوَ جنب إلَاّ لعَلي بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَن بَيته كَانَ فِي الْمَسْجِد، رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي (أَحْكَام الْقُرْآن) وَقَالَ الْخطابِيّ وَابْن بطال وَغَيرهمَا: فِي هَذَا الحَدِيث اخْتِصَاص ظَاهر لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

وَفِيه: إِشَارَة قَوِيَّة إِلَى اسْتِحْقَاقه للخلافة وَلَا سِيمَا وَقد ثَبت أَن ذَلِك كَانَ فِي آخر حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْوَقْت الَّذِي أَمرهم فِيهِ أَن لَا يؤمهم إلَاّ أَبُو بكر، وَقد ادّعى بَعضهم أَن الْبَاب كِنَايَة عَن الْخلَافَة، وَالْأَمر بالسد كِنَايَة عَن طلبَهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يطلبن أحد الْخلَافَة إلَاّ أَبَا بكر، فَإِنَّهُ لَا حرج عَلَيْهِ فِي طلبَهَا، وَإِلَى هَذَا مَال ابْن حبَان، فَقَالَ بعد أَن أخرج هَذَا الحَدِيث. وَفِيه: دَلِيل على أَن الْخلَافَة لَهُ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ حسم بقوله: سدوا عني كل خوخة فِي الْمَسْجِد أطماع النَّاس كلهم عَن أَن يَكُونُوا خلفاء بعده، وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل بستاناً وَجَاء آتٍ فدق الْبَاب، فَقَالَ: يَا أنس} إفتح لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ وبشره بالخلافة بعدِي، قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>