للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ وَسلم يتَمَعَّرُ حتَّى أشْفَقَ أبُو بَكْرٍ فَجَثَا علَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله وَالله أنَا كُنْتُ أظْلَمَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله بعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وقالَ أبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسانِي بنَفْسِهِ ومالِهِ فَهَلْ أنْتُمْ تَارِكُو لِي صاحِبي مرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا. (الحَدِيث ١٦٦٣ طرفه فِي: ٠٤٦٤) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِشَام بن عمار بن نصير أَبُو الْوَلِيد السّلمِيّ الدِّمَشْقِي، وَصدقَة بن خَالِد أَبُو الْعَبَّاس مولى أم الْبَنِينَ بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب أُخْت مُعَاوِيَة، وَزيد بن وَاقد، بِكَسْر الْقَاف الدِّمَشْقِي: ثِقَة قَلِيل الحَدِيث، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة الْحَضْرَمِيّ الشَّامي، وعائذ الله، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من العوذ: ابْن عبد الله الْخَولَانِيّ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالنون، وكنيته أَبُو إِدْرِيس وَهَؤُلَاء كلهم شَامِيُّونَ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عبد الله، قيل: إِنَّه حَمَّاد الْأَيْلِي وَهُوَ من أَفْرَاده.

قَوْله: (عَن بسر بن عبيد الله) ، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن الْعَلَاء عِنْد البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير: حَدثنِي بسر بن عبيد الله حَدثنِي أَبُو إِدْرِيس سَأَلت أَبَا الدَّرْدَاء. قَوْله: (أما صَاحبكُم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أما صَاحبك، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (فقد غامر) ، بالغين الْمُعْجَمَة أَي: خَاصم ولابس الْخُصُومَة وَنَحْوهَا من الْأُمُور، يُقَال: دخل فِي غمرة الْخُصُومَة وَهِي معظمها، وغمر الْحَرْب وَنَحْوهَا، والمغامر الَّذِي يَرْمِي بِنَفسِهِ فِي الْأُمُور والحروب، وَقيل: من المعاجلة أَي: سارع. قَوْله: (فَسلم) ، بتَشْديد اللَّام من السَّلَام، وَوَقع عِنْد أبي نعيم فِي (الْحِلْية) : حَتَّى سلم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكر الرَّد، وَهُوَ مِمَّا يحذف للْعلم بِهِ، وقسيم: إِمَّا مَحْذُوف نَحوه، وَأما غَيره فَلَا أعلمهُ. قَوْله: (أثَمَّ؟) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم والهمزة للاستفهام أَي: أهنا أَبُو بكر؟ قَوْله: (شَيْء) ، وَفِي رِوَايَة التَّفْسِير: بيني وَبَينه محاورة، بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: مُرَاجعَة. قَوْله: (نَدِمت) ، زَاد مُحَمَّد بن الْمُبَارك: على مَا كَانَ. قَوْله: (فَسَأَلته أَن يغْفر لي) وَفِي رِوَايَة التَّفْسِير: أَن يسْتَغْفر لَهُ فَلم يفعل حَتَّى أغلق بَابه فِي وَجهه. قَوْله: (فَأبى عَليّ) ، زَاد مُحَمَّد بن الْمُبَارك: فتبعته إِلَى البقيع حَتَّى خرج من دَاره. قَوْله: (ثَلَاثًا) ، أَي: أعَاد هَذِه الْكَلِمَة ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: (يتمعر) ، بِالْعينِ الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة أَي: تذْهب نضارته من الْغَضَب، وَأَصله من المعر، وَهُوَ: الجدب، يُقَال: أمعر الْمَكَان إِذا أجدب، وَيُقَال: مَعْنَاهُ يتَغَيَّر لَونه من الضجر، وَيُقَال: ذهب رونقه حَتَّى صَار كالمكان الأمعر. قَوْله: (حَتَّى أشْفق أَبُو بكر) أَي: حَتَّى خَافَ أَبُو بكر أَن يكون من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عمر مَا يكره. قَوْله: (فَجَثَا) ، بِالْجِيم والثاء الْمُثَلَّثَة أَي: برك على رُكْبَتَيْهِ. قَوْله: (أَنا كنت أظلم) أَي: من عمر فِي الْقِصَّة الْمَذْكُورَة، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ البادي. قَوْله: (مرَّتَيْنِ) أَي: قَالَ ذَلِك القَوْل مرَّتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مرَّتَيْنِ، ظرف لقَالَ. أَو لقَوْله: كنت. قَوْله: (وواساني) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده: وأوساني، وَالْأول أوجه لِأَنَّهُ من الْمُوَاسَاة. قَوْله: (تاركو لي صَاحِبي) ، وَفِي رِوَايَة التَّفْسِير (تاركون لي) ، على الأَصْل. قَوْله: (لي) فصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ بالجار وَالْمَجْرُور عناية بِتَقْدِيم لفظ الِاخْتِصَاص، وَذَلِكَ جَائِز كَقَوْل الشَّاعِر:

(فَرَشُني بِخَير لَا أكونن ومدحتي ... كناحت يَوْمًا صَخْرَة بعسيل)

قلت: رشني: أَمر من راش يريش، يُقَال: رَشَّتْ فلَانا: أصلحت حَاله، وَالْوَاو فِي: ومدحتي للمصاحبة، أَي: مَعَ مدحتي والاستشهاد فِيهِ فِي قَوْله: يَوْمًا، فَإِنَّهُ ظرف فصل بِهِ بَين الْمُضَاف وَهُوَ قَوْله: كناحت، وَبَين الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ: صَخْرَة، وَالتَّقْدِير: كناحت صَخْرَة يَوْمًا بعسيلٍ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة: وَهُوَ قضيب الْفِيل، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَبِهَذَا يرد على أبي الْبَقَاء حَيْثُ يَقُول إِن حذف النُّون من خطأ الروَاة، لِأَن الْكَلِمَة: لَيست مُضَافَة وَلَا فِيهَا ألف وَلَام، وَإِنَّمَا يجوز فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَا وَجه لإنكاره لوُقُوع مثل هَذِه كثيرا فِي الْأَشْعَار وَفِي الْقُرْآن أَيْضا فِي قِرَاءَة ابْن عَامر، {وَكَذَلِكَ زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركائهم} ، بِنصب أَوْلَادهم، وجر شركائهم. قَوْله: (فَمَا أوذي بعْدهَا) أَي: فَمَا أوذي أَبُو بكر بعد هَذِه الْقَضِيَّة لأجل مَا أظهره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم من تَعْظِيمه أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد: الدّلَالَة على فضل أبي بكر على جَمِيع الصَّحَابَة، وَلَيْسَ يَنْبَغِي للفاضل أَن يغاضب من هُوَ أفضل مِنْهُ، وَجَوَاز مدح الرجل فِي وَجهه، وَمحله: إِذا أَمن عَلَيْهِ الافتتان

<<  <  ج: ص:  >  >>