وَهَهُنَا خَبره. قَوْله: (أريس) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا سين مُهْملَة، وَهُوَ بُسْتَان بِالْمَدِينَةِ مَعْرُوف قريب من قبا. وَفِي هَذَا الْبِئْر سقط خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِصْبَع عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ منصرف، وَإِن جعلته إسماً لتِلْك الْبقْعَة يكون غير منصرف للعلمية والتأنيث. قَوْله: (وتوسط قفها) أَي: صَار فِي وسط قفها، والقف، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء، قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ حافة الْبِئْر، وَأَصله الغليظ الْمُرْتَفع من الأَرْض، وَقَالَ غَيره: القف الدكة الَّتِي جعلت حول الْبِئْر وَالْجمع: قفاف، وَيُقَال: القف الْيَابِس، وَيحْتَمل أَن يكون سمي بِهِ لِأَن مَا ارْتَفع حول الْبِئْر يكون يَابسا دون غَيره غَالِبا، قَوْله: (فدلاهما) ، أَي: أرسلهما. قَوْله: (فَقلت: لأكونن بواباً للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، ظَاهره أَنه اخْتَار ذَلِك وَفعله من تِلْقَاء نَفسه، وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شريك فِي الْأَدَب، وَزَاد فِيهِ: وَلم يَأْمُرنِي بِهِ، وَقَالَ ابْن التِّين، فِيهِ أَن الْمَرْء يكون بواباً للْإِمَام، وَإِن لم يَأْمُرهُ. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة أبي عُثْمَان الَّتِي تَأتي فِي مَنَاقِب عُثْمَان: عَن أبي مُوسَى، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل حَائِطا وَأمره بِحِفْظ بَاب الْحَائِط وَأخرج أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) : من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة عَن سعيد بن الْمسيب فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى أملِك عَليّ هَذَا الْبَاب، فَانْطَلق فَقضى حَاجته وَتَوَضَّأ، ثمَّ جَاءَ فَقعدَ على قف الْبِئْر، وروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي عُثْمَان عَن أبي مُوسَى، وَقَالَ لي: يَا أَبَا مُوسَى أملِك عَليّ الْبَاب فَلَا يدخلن عَليّ أحد. قلت: وَجه الْجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ لما حدث نَفسه بذلك صَادف أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يحفط عَلَيْهِ لباب. فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا قَول أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لم يكن لَهُ بواب، وَقد سبق فِي كتاب الْجَنَائِز؟ قلت: مُرَاد أنس أَنه لم يكن لَهُ بواب مُسْتَمر مُرَتّب لذَلِك على الدَّوَام. قَوْله: (على رسلك) بِكَسْر الرَّاء: على هينتك، وَهُوَ من أَسمَاء الْأَفْعَال، وَمَعْنَاهُ: اتئد، قَوْله: (وَقد تركت أخي يتَوَضَّأ ويلحقني) كَانَ لأبي مُوسَى أَخَوان: أَبُو رهم وَأَبُو بردة، وَيُقَال: إِن لَهُ أَخا آخر اسْمه: مُحَمَّد، وأشهرهم أَبُو بردة واسْمه عَامر، وَقد أخرج أَحْمد فِي (مُسْنده) عَنهُ حَدِيثا. قَوْله: (فَإِذا إِنْسَان يُحَرك الْبَاب) فِيهِ حسن الْأَدَب فِي الاسْتِئْذَان، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون هَذَا قبل أَن ينزل قَوْله تَعَالَى: {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا} (النُّور: ٧٢) . وَاعْترض عَلَيْهِ باستبعاد مَا قَالَه، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقع فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة: فجَاء رجل فَاسْتَأْذن، فَعرف من هَذَا، إِن معنى قَوْله: يُحَرك الْبَاب، يَعْنِي: مستأذناً لَا دافعاً. قَوْله: (يبشرك بِالْجنَّةِ) زَاد أَبُو عُثْمَان فِي رِوَايَته: فَحَمدَ الله تَعَالَى. قَوْله: (فَقَالَ: عُثْمَان) إِلَى قَوْله: (فَقَالَ: إئذن لَهُ) وَفِي رِوَايَة أبي عُثْمَان: ثمَّ جَاءَ آخر يسْتَأْذن فَسكت هنيهة، ثمَّ قَالَ: إئذن لَهُ. قَوْله: (على بلوى تصيبك) وَهِي البلية الَّتِي صَار بهَا شَهِيد الدَّار، وَفِي رِوَايَة أبي عُثْمَان: فَحَمدَ الله، ثمَّ قَالَ: الله الْمُسْتَعَان، وَفِي رِوَايَة عِنْد أَحْمد: فَجعل يَقُول: أللهم صبرا، حَتَّى جلس. قَوْله: (فَجَلَسَ وجاهه) بِضَم الْوَاو وَكسرهَا. أَي: مُقَابِله. قَوْله: (قتل شريك) ، هُوَ شريك بن أبي نمر الرَّاوِي، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَاضِي. قَوْله: (فَأَوَّلتهَا قُبُورهم) ، أَي: أولت هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الجالسين على الْهَيْئَة الْمَذْكُورَة بقبورهم، والتأويل بالقبور من جِهَة كَون الشَّيْخَيْنِ مصاحبين لَهُ عِنْد الحفرة الْمُبَارَكَة، لَا من جِهَة أَن أَحدهمَا فِي الْيَمين وَالْآخر فِي الْيَسَار، وَأما عُثْمَان فَهُوَ فِي البقيع مُقَابلا لَهُم، وَهَذَا من الفراسة الصادقة.
٥٧٦٣ - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا يَحْيَى عنْ سَعِيدٍ عنْ قتادَةَ أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حدَّثَهُمْ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَعِدَ أُحُدَاً وأبُو بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانُ فرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فإنَّمَا عَلَيْكَ نَبِي وصِدِّيقٌ وشَهِيدَانِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وصديق) على مَا لَا يخفى، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن مُسَدّد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن مُسَدّد أَيْضا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي قدامَة عَن يحيى بِهِ وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى وَيزِيد ابْن زُرَيْع بِهِ.
قَوْله: (صعد أحدا) هُوَ: الْجَبَل الْمَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ. فَإِن قلت: وَقع لأبي يعلى من وَجه آخر: عَن سعيد حراء جبل بِمَكَّة، قَالَ بَعضهم: وَالْأول أصح، وَلَوْلَا اتِّحَاد الْمخْرج لجوزت تعدد الْقِصَّة. قلت: الِاخْتِلَاف فِيهِ من سعيد، فَإِن فِي (مُسْند
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute