قَالَ عُثْمَان: يَا أَيهَا الْمَرْء مِنْك، يُخَاطب بذلك عبيد الله بن عدي، تَقْدِيره: أعوذ بِاللَّه مِنْك؟ وَقد صرح معمر بذلك فِي رِوَايَته فِي هِجْرَة الْحَبَشَة على مَا يَأْتِي، وَأَشَارَ إِلَيْهِ هَهُنَا. بقوله: (قَالَ معمر: أرَاهُ قَالَ: أعوذ بِاللَّه مِنْك) أَي: قَالَ معمر بن رَاشد الْبَصْرِيّ، وَكَانَ قد سكن الْيمن. قَوْله: (أرَاهُ) أَي: أَظُنهُ قَالَ: أَيهَا الْمَرْء أعوذ بِاللَّه مِنْك، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا استعاذ مِنْهُ خشيَة أَن يكلمهُ بِشَيْء يَقْتَضِي الْإِنْكَار عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي ذَلِك مَعْذُور فيضيق بذلك صَدره. قَوْله: (فَانْصَرَفت) أَي: من عِنْد عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فَرَجَعت إِلَيْهِم) أَي: إِلَى الْمسور بن مخرمَة وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود وَمن كَانَ عِنْدهمَا، وَفِي رِوَايَة معمر: فَانْصَرَفت فحدثتهما، أَي: الْمسور وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود وَمن كَانَ عِنْدهمَا، بِالَّذِي قلت لعُثْمَان فَقَالَا قد قضيت الَّذِي عَلَيْك. قَوْله: (إِذْ جَاءَ رَسُول عُثْمَان) كلمة: إِذْ، للمفاجأة، وَفِي رِوَايَة معمر: فَبَيْنَمَا أَنا جَالس مَعَهُمَا إِذْ جَاءَ رَسُول عُثْمَان، فَقَالَ لي: قد ابتلاك الله، فَانْطَلَقت. قَوْله: (فَأَتَيْته) أَي: فَأتيت عُثْمَان (فَقَالَ: مَا نصيحتك؟) أَرَادَ بهَا: مَا فِي قَوْله: لما جَاءَ إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: إِن لي إِلَيْك حَاجَة، وَهِي نصيحة لَك. قَوْله: (فَقلت) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير تِلْكَ النَّصِيحَة بِالْفَاءِ التفسيرية، وَهِي من قَوْله: (أَن الله سُبْحَانَهُ) إِلَى قَوْله: (أدْركْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . قَوْله: (وَكنت) ، بِفَتْح تَاء الْخطاب يُخَاطب بِهِ عُثْمَان، وَكَذَا بِفَتْح التَّاء فِي قَوْله: (هَاجَرت) (وَرَأَيْت) وَأَرَادَ بالهجرتن الْهِجْرَة إِلَى الْحَبَشَة وَالْهجْرَة إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (وَرَأَيْت هَدْيه) ، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الدَّال: أَي: رَأَيْت طَرِيقَته. قَوْله: (وَقد أَكثر النَّاس فِي شَأْن الْوَلِيد) ، أَي: أَكْثرُوا فِيهِ الْكَلَام بِسَبَب شربه الْخمر وَسُوء سيرته، وَزَاد معمر فِي رِوَايَته عقيب هَذَا الْكَلَام: وَحقّ عَلَيْك أَن تقيم عَلَيْهِ الْحَد. قَوْله: (قَالَ: أدْركْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: قَالَ عُثْمَان لِعبيد الله بن عدي يُخَاطب بقوله: أدْركْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة معمر: فَقَالَ لي: يَا ابْن أُخْتِي، وَفِي رِوَايَة صَالح بن الْأَخْضَر عَن الزُّهْرِيّ عِنْد عمر بن شبه: هَل رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا، وَمرَاده بالإدراك إِدْرَاك السماع وَالْأَخْذ عَنهُ، وبالرؤية رُؤْيَة الْمُمَيز لَهُ، وَلم يرد نفي الْإِدْرَاك بِالْعينِ، فَإِنَّهُ ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن مَاكُولَا: ولد على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقتل أَبوهُ يَوْم بدر كَافِرًا، وَقَالَ ابْن سعد فِي طبقَة الفتحيين، والمدائني وَعمر بن شبة فِي (أَخْبَار الْمَدِينَة) : إِن هَذِه الْقِصَّة المحكية هَهُنَا وَقعت لعدي ابْن الْخِيَار نَفسه مَعَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالله أعلم. قَوْله: (قلت: لَا) أَي: مَا رَأَيْته، وَلَكِن أدْركْت زَمَانه. قَوْله: (خلص) بِفَتْح اللَّام، يُقَال: خلص فلَان إِلَى فلَان أَي: وصل إِلَيْهِ وَضَبطه بَعضهم بِضَم اللَّام، وَأَنه غير صَحِيح، وَفِي حَدِيث الْمِعْرَاج؛ فَلَمَّا خلصت لمستوىً، أَي: وصلت وَبَلغت، وَقد ضبط بِفَتْح اللَّام. قَوْله: (إِلَى الْعَذْرَاء) ، وَهِي الْبكر، وَأَرَادَ عبيد الله بن عدي بِهَذَا الْكَلَام: أَن علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يكن مكتوماً وَلَا خَاصّا، بل كَانَ شَائِعا ذائعاً حَتَّى وصل إِلَى الْعَذْرَاء المخدرة فِي بَيتهَا، فوصوله إِلَيْهِ مَعَ حرصه عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأولى. قَوْله: (كَمَا قلت) ، بِفَتْح التَّاء خطاب لِعبيد الله بن عدي، وَجه التَّشْبِيه فِيهِ بَيَان حَال وُصُول علم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: كَمَا وصل علم الشَّرِيعَة إِلَيْهَا من وَرَاء الْحجاب، فوصوله إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأحرى. قَوْله: (ثمَّ أَبُو بكر مثله) ، أَرَادَ: ثمَّ صَحِبت أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَا عصيته وَمَا غششته مثل مَا فعلت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ثمَّ عمر مثله) ، يَعْنِي: ثمَّ صَحِبت عمر أَيْضا، فَمَا فعلت شَيْئا من ذَلِك. قَوْله: (ثمَّ اسْتخْلفت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أفليس لي؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، أَي: أفليس لي عَلَيْكُم من الْحق مثل الَّذِي كَانَ لَهُم عَليّ؟ قَوْله: (قلت: بلَى) ، الْقَائِل هُوَ عبيد الله بن عدي. قَوْله: (فَمَا هَذِه الْأَحَادِيث؟) جمع: أحدوثة، وَهِي مَا يتحدث بِهِ، وَهِي الَّتِي كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بهَا من تَأْخِيره إِقَامَة الْحَد على الْوَلِيد. قَوْله: (ثمَّ دَعَا عليا) ، هُوَ: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. (فَأمره أَن يجلده) أَي: فَأمر عُثْمَان عليا أَن يجلد الْوَلِيد بن عقبَة، ويجلده، بالضمير الْمَنْصُوب فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَن يجلد، بِلَا ضَمِيره. قَوْله: (فجلده ثَمَانِينَ) ، وَفِي رِوَايَة معمر: فجلد الْوَلِيد أَرْبَعِينَ جلدَة، قيل: هَذِه الرِّوَايَة أصح من رِوَايَة يُونُس، وَالوهم فِيهِ من الرَّاوِي عَنهُ شبيب بن سعيد، والمرجح لرِوَايَة معمر مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق أبي ساسان، قَالَ: شهِدت عُثْمَان أُتِي بالوليد قد صلى الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: أَزِيدكُم، فَشهد عَلَيْهِ رجلَانِ. أَحدهمَا: حمْرَان، يَعْنِي مولى عُثْمَان بن عَفَّان: أَنه قد شرب الْخمر، فَقَالَ عُثْمَان: قُم يَا عَليّ فاجلده، فَقَالَ عَليّ: قُم يَا حسن، فاجلده، فَقَالَ الْحسن:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute