للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: (مَا عندنَا شَيْء نقرؤه إلَاّ كتاب الله وَهَذِه الصَّحِيفَة، فَإِذا فِيهَا: الْمَدِينَة حرم) الحَدِيث. وَلمُسلم عَن أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ، رَضِي الله عَنهُ: (مَا خصنا رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، بِشَيْء لم يعم بِهِ النَّاس كَافَّة إلَاّ مَا فِي قرَاب سَيفي هَذَا، فَأخْرج صحيفَة مَكْتُوبَة فِيهَا: لعن الله من ذبح لغير الله) الحَدِيث. وللنسائي من طَرِيق الأشتر وَغَيره عَن عَليّ: فَإِذا فِيهَا: (الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، يسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم) الحَدِيث. وَلأَحْمَد من طَرِيق ابْن شهَاب: (فِيهَا فَرَائض الصَّدَقَة) . فَإِن قلت: كَيفَ الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث؟ قلت: الصَّحِيفَة كَانَت وَاحِدَة، وَكَانَ جَمِيع ذَلِك مَكْتُوبًا فِيهَا، وَنقل كل من الروَاة مَا حفظه. قَوْله: (الْعقل) أَي: الدِّيَة، وَالْمرَاد أَحْكَامهَا ومقاديرها وأصنافها وَأَسْنَانهَا، وَكَذَلِكَ المُرَاد من قَوْله: (وفكاك الْأَسير) حكمه وَالتَّرْغِيب فِي تخليصه، وَأَنه نوع من أَنْوَاع الْبر الَّذِي يَنْبَغِي أَن يهتم بِهِ.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: قَالَ ابْن بطال: فِيهِ مَا يقطع بِدعَة الشِّيعَة والمدعين على عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، أَنه الْوَصِيّ، وَأَنه الْمَخْصُوص بِعلم من عِنْد رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يعرفهُ غَيره حَيْثُ قَالَ: مَا عِنْده إلَاّ مَا عِنْد النَّاس من كتاب الله، ثمَّ أحَال على الْفَهم الَّذِي النَّاس فِيهِ على درجاتهم، وَلم يخص نَفسه بِشَيْء غير مَا هُوَ مُمكن فِي غَيره.

الثَّانِي: فِيهِ إرشاد إِلَى أَن للْعَالم الْفَهم أَن يسْتَخْرج من الْقُرْآن بفهمه مَا لم يكن مَنْقُولًا عَن الْمُفَسّرين، لَكِن بِشَرْط مُوَافَقَته لِلْأُصُولِ الشَّرْعِيَّة.

الثَّالِث: فِيهِ إِبَاحَة كِتَابَة الْأَحْكَام وتقييدها.

الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز السُّؤَال عَن الإِمَام فِيمَا يتَعَلَّق بخاصته.

الْخَامِس: احْتج بِهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد على أَن الْمُسلم لَا يقتل بالكافر قصاصا، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَابْن شبْرمَة. وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد بن ثَابت، وَبِه قَالَ جمَاعَة من التَّابِعين مِنْهُم عمر بن عبد الْعَزِيز، وَإِلَيْهِ ذهب أهل الظَّاهِر. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ قَالَ مَالك وَاللَّيْث بن سعد: إِن قَتله غيلَة قتل بِهِ وإلَاّ لم يقتل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي رِوَايَة وَمُحَمّد وَزفر: يقتل الْمُسلم بالكافر، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَمُحَمّد بن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي، وَهُوَ رِوَايَة عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود وَعمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله عَنْهُم. وَقَالُوا: وَلَا يقتل بالمستأمن والمعاهد. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: احتجت الْحَنَفِيَّة بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْحسن بن أَحْمد عَن سعيد بن مُحَمَّد الرهاوي عَن عمار بن مطر عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن ابْن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قتل مُسلما بمعاهد، ثمَّ قَالَ: أَنا أكْرم من وَفِي بِذِمَّتِهِ) . ثمَّ قَالَت الشَّافِعِيَّة: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ غير إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى وَهُوَ مَتْرُوك، وَالصَّوَاب إرْسَاله، وَابْن الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف لَا تقوم بِهِ حجَّة إِذا وصل الحَدِيث فَكيف إِذا أرْسلهُ؟ وَقَالَ مَالك وَيحيى بن سعيد وَابْن معِين: هُوَ كَذَّاب، يَعْنِي إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى. وَقَالَ أَحْمد وَالْبُخَارِيّ: ترك النَّاس حَدِيثه. وَابْن الْبَيْلَمَانِي اسْمه: عبد الرَّحْمَن، وَقد ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ أَحْمد: من حكم بحَديثه فَهُوَ عِنْدِي مخطىء، وَإِن حكم بِهِ حَاكم نقض. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع أهل الحَدِيث على ترك الْمُتَّصِل من حَدِيثه، فَكيف بالمنقطع؟ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: إِنَّه مُنْقَطع لَا احتجاج بِهِ، ثمَّ إِنَّه خطأ إِذْ قيل: إِن الْقَاتِل كَانَ عَمْرو بن أُميَّة وَقد عَاشَ بعد الرَّسُول، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، سِنِين؛ ومتروك بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ روى أَن الْكَافِر كَانَ رَسُولا فَيكون مستأمنا لَا ذِمِّيا، وَأَن الْمُسْتَأْمن لَا يقتل بِهِ الْمُسلم وفَاقا، ثمَّ إِن صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخ لِأَنَّهُ روى أَنه كَانَ قبل الْفَتْح. وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الْفَتْح فِي خطْبَة خطبهَا على درج الْبَيْت الشريف: (وَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر، وَلَا ذُو عهد فِي عَهده) . وَقَالَت الْحَنَفِيَّة: لَا يتَعَيَّن علينا الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ، وَإِنَّمَا نَحن نستدل بالنصوص الْمُطلقَة فِي اسْتِيفَاء الْقصاص من غير فصل. وَأما حَدِيث عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، فَلم يكن مُفردا، وَلَو كَانَ مُفردا لاحتمل مَا قُلْتُمْ، وَلكنه كَانَ مَوْصُولا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ قيس بن عباد وَالْأَشْتَر، فَإِن فِي روايتهما: لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده، فَهَذَا هُوَ أصل الحَدِيث وَتَمَامه، وَهَذَا لَا يدل على مَا ذهبتم إِلَيْهِ، لِأَن الْمَعْنى على أصل الحَدِيث: لَا يقتل مُؤمن بِسَبَب قتل كَافِر، وَلَا يقتل

<<  <  ج: ص:  >  >>