مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهُوَ سعيد بن كثير بن عفير أَبُو عُثْمَان الْمصْرِيّ، وَقد نسب إِلَى جده، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله:(كتب إِلَيّ هِشَام) يَعْنِي: هِشَام بن عُرْوَة ابْن الزبير، وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر عَن اللَّيْث: حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة، قيل: لَعَلَّ اللَّيْث لَقِي هشاماً بعد أَن كتب إِلَيْهِ بِهَذَا الحَدِيث فحدثه بِهِ. وَقيل: كَانَ مَذْهَب اللَّيْث أَن الْكِتَابَة والتحديث سَوَاء، وَنقل عَنهُ الْخَطِيب ذَلِك. قَوْله:(مَا غرت) بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة من الْغيرَة وَهِي الحمية والأنفة، يُقَال: رجل غيور وَامْرَأَة غيور بِلَا: هَاء، لِأَن فعولًا يشْتَرك فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى، وَجَاء فِي حَدِيث: أَن امْرَأَة غيرى، على وزن فعلى، من الْغيرَة يُقَال: غرت على أَهلِي أغار غيرَة فَأَنا غائر وغيور للْمُبَالَغَة، وَفِيه ثُبُوت الْغيرَة وَأَنَّهَا غير مستنكر وُقُوعهَا من فاضلات النِّسَاء، فضلا عَمَّن دونهن، وَكَانَت عَائِشَة تغار من نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن تغار من خَدِيجَة أَكثر، وَذَلِكَ لِكَثْرَة ذكر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِيَّاهَا. وأصل غيرَة المرأ من تخيل محبَّة غَيرهَا أَكثر مِنْهَا وَكَثْرَة الذّكر تدل على كَثْرَة الْمحبَّة، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: مرادها بِالذكر لَهَا مدحها وَالثنَاء عَلَيْهَا. قَوْله:(هَلَكت قبل أَن يَتَزَوَّجنِي) أَي: مَاتَت خَدِيجَة قبل أَن يتَزَوَّج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعائشة، وَيَأْتِي عَن قريب بَيَان الْمدَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وأشارت عَائِشَة بذلك إِلَى أَن خَدِيجَة لَو كَانَت حَيَّة فِي زمانها لكَانَتْ غيرتها مِنْهَا أَكثر وَأَشد. قَوْله:(وَأمره الله أَن يبشرها) ، أَي: أَمر الله تَعَالَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يبشر خَدِيجَة (بِبَيْت من قصب) بِفتْحَتَيْنِ، قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ أنابيب من جَوْهَر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بِهِ قصب اللُّؤْلُؤ المجوف، وَقيل: قصب من ذهب منظوم بالجواهر، وَيُقَال: الْقصب هُنَا اللُّؤْلُؤ المجوف الْوَاسِع كالقصر المنيف، وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة عبد الله بن وهب: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة قلت: يَا رَسُول الله {وَمَا بَيت من قصب؟ قَالَ: بَيت من لؤلؤة مجوفة، رَوَاهُ السَّمرقَنْدِي فِي (صَحِيح مُسلم) : مجوبة، وروى الْخطابِيّ: مجوبة، بِضَم الْجِيم، أَي: قطع داخلها فتفرغ، وخلا من قَوْلهم: جبت الشَّيْء إِذا قطعته، وروى أَبُو الْقَاسِم بن مطير بِإِسْنَادِهِ عَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، سيدة نسَاء الْعَالمين أَنَّهَا قَالَت:(يَا رَسُول الله أَيْن أُمِّي خَدِيجَة؟ قَالَ: فِي بَيت من قصب، لَا لَغْو فِيهِ وَلَا نصب، بَين مَرْيَم وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن. قَالَت: يَا رَسُول الله} أَمن هَذَا الْقصب؟ قَالَ: لَا من الْقصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت. فَإِن قلت: قَالَ: من قصب، وَلم يقل: من لُؤْلُؤ وَنَحْوه؟ قلت: هَذَا من بَاب المشاكلة لِأَنَّهَا لما أحرزت قصب السَّبق إِلَى الْإِيمَان دون غَيرهَا من الرِّجَال وَالنِّسَاء ذكر الْجَزَاء بِلَفْظ الْعَمَل، وَالْعرب تسمي السَّابِق مُحرز الْقصب. فَإِن قلت: كَيفَ بشرها بِبَيْت وَأدنى أهل الْجنَّة منزلَة من يُعْطي مسيرَة ألف عَام فِي الْجنَّة، كَمَا فِي حَدِيث ابْن عمر عِنْد التِّرْمِذِيّ؟ قلت: قيل: بِبَيْت زَائِد على مَا أعده الله لَهَا من ثَوَاب أَعمالهَا. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْبَيْت هُنَا عبارَة عَن قصر، ألَا يرى قد يُقَال لمنزل الرجل: بَيته، وَيُقَال فِي الْقَوْم: هَل هُوَ أهل بَيت شرف وَعز؟ وَقَالَ السُّهيْلي ماملخصه: أَنه من بَاب المشاكلة لِأَنَّهَا كَانَت ربة بَيت فِي الْإِسْلَام وَلم يكن على وَجه الأَرْض بَيت إِسْلَام إلَاّ بَيتهَا حِين آمَنت، وَجَزَاء الْفِعْل يذكر بِلَفْظ الْفِعْل، وَإِن كَانَ أشرف مِنْهُ، كَمَا قيل: من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ مثله فِي الْجنَّة، لم يرد مثله فِي كَونه مَسْجِدا وَلَا فِي صفته، وَلكنه قَابل الْبُنيان بالبنيان أَي: كَمَا بنى بني لَهُ. قَوْله: (وَإِن كَانَ) ، كلمة: إِن، مُخَفّفَة من المثقلة وَيُرَاد بهَا تَأْكِيد الْكَلَام وَلِهَذَا أَتَت بِاللَّامِ فِي قَوْلهَا (ليذبح) . قَوْله:(فيهدي) فِي خلائلها، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة جمع خَلِيلَة، وَهِي الصديقة وَهَذَا أَيْضا من أَسبَاب الْغيرَة لما فِيهِ من الْإِشْعَار باستمرار حبه لَهَا حَتَّى كَانَ يتَعَاهَد صواحباتها. قَوْله:(مِنْهَا) أَي: من الشَّاة. قَوْله:(مَا يسعهن) أَي: مَا يسع لَهُنَّ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي:(مَا يتسعهن) ، أَي: مَا يَتَّسِع لَهُنَّ، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: مَا يشبعهن) من الإشباع، قيل: لَيْسَ فِي رِوَايَته كلمة مَا.